قصة قصيرة واقعية
نزار ب الزين
*****
أُحيل الضابط الكبير محمد الجاسم على التقاعد بعد بلوغه الستين من عمره ، و سرعانما تحول إلى إنسان مكتئب عصبي المزاج ، كملك فقد عرشه !
ثم ….
بدأ يحوِّل ما اكتسبه خلال وظيفته من سلطان مطلق ، إلى رب أسرة متسلط متجبر طويل اليد و اللسان ، غير متقبل لأي اعتراض ،
ثم …
بنى جدارا بينه و بين أقاربه و أصحابه فلم يعد يطيق مقابلة أيا منهم ، حتى انفضوا من حوله ، فيما عدا عمِّه والد زوجته و الذي كان يستقبله أيضا بشيء من الجفاء ..
ثم ..
أصبح يتشاجر حتى مع الذباب إن حام حول وجهه .
****
تعرضت زوجته إلى كثير من الإهانات بلغت أحيانا حد الضرب ، و لم ينج أطفاله الأربعة من بطشه ، حتى باتوا يشعرون بالرعب لمجرد سماع صوته ؛ و ذات يوم عاد ابنه جاسم من مدرسته حاملا شهادة درجاته الدورية ، ليطلع عليها الأهل كما جرت العادة ، و ما أن وقع بصر والده على الشهادة التي أظهرت تقصيره في مادتين ، حتى أرغى و أزبد و أخذ يصيح حتى شق صوته عنان السماء ، مهددا بالويل و الثبور و عظائم الأمور ، بينما كان يكيل الضربات لابنه دون أن يأبه لاستغاثاته أو تضرعات زوجته ، التي ما أن اقتربت لتخلص فلذة كبدها من بين براثنه ، حتى انهال عليها ضربا بدورها ،
ثم ……
و على حين غرة توجه أبو جاسم إلى غرفته و عاد شاهرا مسدسه مهددا بقتلهما معا ، و لحسن حظهما قدم حموه – و هو في الوقت نفسه شقيق والده – لزيارة ابنته و أحفاده ، فانقض عليه ، و تمكن من انتزاع المسدس من بين يديه …
ثم …
أشار لا بنته أن تغادر ، فألقت عباءتها فوق رأسها ، و لاذت و أطفالها بالفرار…
*****
منذ صبيحة اليوم التالي ، توجهت أم جاسم و ولدها إلى مدرسته ، و دخلت مباشرة إلى غرفة الأخصائي الاجتماعي الذي سبق أن زارته متابعة أحوال ابنها ، و قصت عليه ما جرى بالأمس ،
ثم..
أضافت و قد تدفق دمعها هتونا : << قد يجبرني والدي على العودة إلى بيت الزوجية ، فزوجي هو ابن عمي في الوقت ذاته ، و والدي ما انفك يردد على مسامعي ، أن ليس في العائلة حالات طلاق ، و أنه يفضل الموت قبل أن يراني مطلقة ، و كان يعيدني بعد كل مشكلة مرغمة إلى بيت الزوجية ، راجيا إبن أخيه باسم رابطة الدم التي تجمعهما ، أن يحسن معاملتي “!!!” ، و لكن بالأمس كاد زوجي يقتل جاسم ، فأصبحت أخشى عليه و على و إخوته من بطشه فقد جن الرجل ، و لا أدري ماذا أفعل يا أستاذ ؟!…>>
ثم ….
أجهشت بالبكاء .
*****
بدأ الأخصائي الاجتماعي الأستاذ منجد بإجراءات تحويل جاسم إلى دار الضيافة بعد موافقة والدته ، و هي مؤسسة تابعة لإدارة الخدمة الإجتماعية التي يعمل فيها الأستاذ منجد و مهمتها رعاية التلاميذ ضحايا التفكك الأسري ،
ثم ..
و على حين غرة ، سمعوا صخبا خارج الغرفة ، و صوت رجل يشتم مدير المدرسة و معلميها و عمالها ، و أصواتا أخرى تحاول تهدئته ، و الضجة لا زالت تقترب رويدا رويدا من غرفة الأستاذ منجد ، كان الرجل يصيح : << أريد وِلْدي في الحال ..أريد ذبحه و هذا حقي “!!!” فقد سوَّد وجهي أمام الله و خلقه .. >> و ما أن ميزت أم جاسم الصوت حتى جفلت ،
ثم ..
بدأ كلاهما الأم و و لدها يرتعشان كعصفورين أغرقهما مطر الشتاء ،
ثم ….
ضمت ابنها إلى صدرها ، و أرخت عباءتها فوقه ظانة أنها سوف تحميه ، و أخذت تردد بصوت مرتعش : << إنه أبو جاسم .. إنه أبو جاسم …، أرجوك يا أستاذ احمنا منه !!! >>
ثم …
أطل الأستاذ منجد من باب غرفته ، فشاهد جمعا من المعلمين و العاملين و قد التفوا حول أبي جاسم فشلوا حركته ، و إن هي إلا دقائق حتى قدمت ثلة من الشرطة ، فاقتادوه خارج المدرسة ، و هو يحاول مقاومتهم و يشتمهم صائحا : << ألا تعرفون من أنا ، يا أولاد ال……>>
ثم …..
أكمل الأستاذ منجد إجراءاته ….
*****
سوري مغترب