أقاصيص

نزار ب الزين*

    -1-

    بدا كل شيء عاديا ذلك اليوم  من أيام بدايات الصيف

رمال الشاطئ الذهبية الممتدة على المدى يمنة و يسرة بدت نقية و براقة  ، و ماء البحر كان صافياٍ ، و قد شرّع ذراعيه يدعو المستجمين إلى أحضانه ، فلا موج يصفع السابحين ، و لا حجارة تعرقل الخائضين ، و تحالفت الشمس مع صفائه  ، فلم ترسل لظاها بعد ليلسع جلودهم ؛ فكنت من أوائل من استجابوا لندائه .

داعبت ماءه  و داعبني ، بل كنت أشعر و كأنه يحملني بيديه الحانيتين ، و يهزني برفق  و يهدهدني ؛ و إن أنا في نشوة الإنتعاش ببرودة مائه ، إذا بشاب على بعد أمتار مني ، يتخبط و يصيح مستغيثا : ” لقد وقعت في حفرة ، أنا لا أجيد السباحة ، أغثني “

لم أتردد لحظة ، تقدمت نحوه أشق الماء بكل ما أوتيت من قوة ، و لكنني تذكرت فجأة تعليمات الإنقاذ ، التي كنت قد قرأتها ذات يوم ، فعدت القهقرى ، ثم التففت نحوه من الخلف ، و إذ اقتربت من ظهره ، بدأت أدفعه دفعا ، حتى بلغت به شاطئ السلامة ..

و لذهولي الشديد ، و أمام حشد من المستجمين نساء و رجالا و أطفالا ، كنت أتلقى منهم عبارات الثناء ،

إذا به ينهض ….

ثم …

يتقدم نحوي ، و الشرر يقدح من عينيه …

ثم ….

يوجه لي لكمة أفقدتني رشدي

-2-

   فوجئ الأخصائي الإجتماعي تماما عندما استدعاه ناظر المدرسة لمقابلة مدير التعليم المتوسط ، قال له المدير مؤنبا :       ” نحن نحاول جاهدين التخلص من ظاهرة الدروس الخصوصية ، و أنت تشجعها ؟ “

الشاكية أم يحيى ، يحيى الذي بذل جهده لإلحاقه بدار الضيافة ، إنقاذا له من بطش والده ضابط الشرطة المتقاعد ، و الذي كلل ممارساته المرعبة بإشهار مسدسه في وجهه ، و كاد يفتك به لولا توسلاتها .

“يحيى يا أستاذ ، مقصر في جميع المواد الدراسية الرئيسية ” ، قال الأخصائي الإجتماعي مدافعا ، ثم أضاف : ” و السبب واضح و هو معاملة والده الشرسة ؛ هذا الوالد الذي لم يحتمل البعد عن السلطة ، فأخذ يتناول المسكرات و يمارس أوامره العسكرية على أفراد أسرته ، و قد رجتني أم يحيى بعد أن استقر ولدها في دار الضيافة ، أن أرشدها إلى مدرس يقويه في مادتي الرياضيات و العلوم ، فأخبرتها أن التقصير شامل ، و اقترحت عليها ، أن تكلف مدرسا واحدا يكون بوسعه تقويته في جميع المواد ، و يكون في الوقت ذاته عاملا مساعدا على رفع معنوياته و استعادة ثقته بنفسه ، ثم عرفتها على الأستاذ جعفر ، فأين خطئي ؟ “

   -3-

     كلفه أصحاب المدرسة الخاصة بإدارتها لدورة صيفية ، صمم الإعلان ، ابتدأ بالتسجيل ، بحث عن المعلمين المناسبين ، و في يوم الإفتتاح ، امتلأت صفوف المدرسة عن آخرها بالطلاب المحتاجين إلى التقوية ، و ابتدأت الدورة الصيفية .

بعد بضعة أيام جاءه أحد الشركاء ، مطالبا بما جمعه من نقود ، رفض بداية  موضحا  أن  المحاسبة  المالية  تتم  عادة  في  نهاية  الدورة الصيفية .

في اليوم التالي جاءه الشركاء الثلاثة ، و بعد مداولات و مساومات تمكنوا من انتزاع أكثر من نصف المبلغ .

قبيل نهاية الدورة جاؤوه ثانية مطالبين بالمزيد ، فرفض بشدة ، موضحا لهم أن عليه التزاما تجاه المعلمين المكلفين من قبله ، ينقدهم أجورهم أولا ، ثم تجري المحاسبة ..

بعد أن قدم للجميع أجورهم ، لم يبق معه إلا القليل القليل ..ما يعادل نصف أجر أحد المعلمين !

توجه إلى مكتب كبيرهم مطالبا بحقه ، فأجابه بكل صفاقة : ” ما معنا يبقى معنا ، و ما معك هو أجرك ! “

=======================

*نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب