قصة واقعية
نزارب. الزين*
عندما شاهدت سامر مضرجا بدمه ، كدت أفقد وعيي لهول ما رأيت ، كان أنفه ممزقا غطت بقاياه خثرة مجمدة بغير إنتظام أخفت أيضا جزءا من عينه اليسرى الجاحظة بخواء ، بينما تجمدت عينه اليمنى في نصف إغماضة و كذلك بقي فمه نصف مفتوح بعد أن تسربت من طرفه نصف دمائه قبل أن تتخثر . ذلك كان باديا من الفراش و الأغطية المشبعة بالسائل القاتم و الذي تسرب أيضا تحت السرير مشكلا بقعة كبيرة دالة على نزف طال . لن أستطيع إكمال الوصف فالمشهد مفجع مرعب ، صورة مشوهة لسامر ، الفتى الذكي المعافى الذي كان يضج بالحيوية و النشاط ، ذلك الفتى الذي عرفته رضيعا و حابيا ، ثم فتيا قاب قوسين أو أدنى من النضوج .
*****
ظل سامر منذ منذ نعومة أظفاره ملفتا النظر بألمعيته ، و لكن عندما تقدم نحو المراهقة أبهر من حوله بشعلة ذكائه ، حتى أن جدته كانت كثيرا ما تبدي قلقها عليه من عيون الحساد و كأنها كانت تطلق جرس إنذار ، فكانت تكرر القول : ” الله يستر هذا الولد من شر حاسد إذا حسد ” و كأن الذكاء بنظرها – و ربما بنظر الكثير من العامة – طاقة شيطانية أو طاقة خاضعة لإستهداف شيطاني ، بل كانت تعتقد أن الذكي قصير العمر !!! و الغريب أن تتحقق مخاوف الجدة رغم كافة الإحتياطات ، بما فيها ذلك الحجاب ( الرقيّة ) المعلق بقميصه الداخلي ، فقد وقع سامر ضحية فضوله الشديد ، كل حادث ، كل حديث ، بل كل أحدوثة ؛ كانت تلفت نظره فيطلب لها تفسيرا و لم يكن يكف عن السؤال حتى يجد الإجابة الشافية .
أما بالنسبة لجدته فقد إكتشف منذ وقت مبكر غموض إجاباتها و إحاطتها بالغيبيات و عدم منطقيتها فكف عن سؤالها فأراحها ، أما مع أمه فقد إختلف الوضع ، فهي قادرة على إرواء غليله ، لولا عصبية مزاجها التي كانت تتفجر بين حين و آخر و التي كان بعضها بسبب أسئلته الكثيرة و بعضها بسبب تقاعد والده المبكر ، و مع الأيام إستطاع سامر أن يعالج ذلك فقد أتقن عمليات الإلتفاف و تبديل الصيغ و تخير الأوقات المناسبة ، و كأنه أخضع مزاجها القلّب إلى دراسة ما ، استثمرها لصالح فضوله .
*****
الوالدة في الغرفة الأخرى منهارة تماما بين يدي الطبيب . كانت قد دخلت المنزل بعد مجاملة إجتماعية ، ثم توجهت رأسا إلى غرفتها ، أبدلت ثيابها و إنطلقت إلى المطبخ ، و بدأت تعد طعام الغداء، تذكرت سامر ، نادته فلم يجب ، نادته ثانية فلم يستجب أيضا لندائها ، توجهت إلى غرفته : ” ماهذه الفوضى يا سامر ؟ ” ، صرخت متذمرة ثم أضافت غاضبة : ” أخرج حالا من مخبئك و أعد كل شيء إلى ما كان عليه ؛ ثم صاحت بدهشة و غضب أشد : ” حتى بطانيتي الجديدة تستخدمها في عبثك ، ألا يكتمل جنونك إلا بخيمة ؟ سوف أكسر يديك يا ملعون ! ”
إنتزعت الأغطية واحد إثر الأخرى ، رائحة غريبة تنبعث ، و لكن أين سامر ؟ و بصوت أعلى صاحت : ” سامر أنت تفقدني أعصابي ، هيا أخرج من تحت السرير ” و لكن سامر لم يخرج أو يجيب ! أحنت جسدها و ألقت نظرة تحت السرير ، صاحت : ” دم دم دم ” علقت الكلمة المرعبة بفمها ، رفعت الفراش فإزداد رعبها ، كان سامر جثة هامدة غارقة بدمائها ” دم دم دم دم ” ، إندفعت نحو الهاتف ، سمعت صراخها الرهيب : سامر سامر سامر سامر أنجدوني ” و أغلقت السماعة بعنف دون أن أفهم ما القضية : ” لعله أغاظها في أمر ما ” قلت ذلك لنفسي و أنا أرتدي ملابسي على عجل و اندفعت إلى هناك بأقل من عشر دقائق ، كانت خلالها قد فتحت باب دارها و أخذت تصرخ مستنجدة أو متحسرة أو نادبة أو ربما كل ذلك معا ، هرع إليها الجيران فوقعت بين أيديهم فاقدة الوعي بعد نوبة تشنج كادت تفقدها حياتها .
إقترح عليّ أحدهم :” يجب إستدعاء والد الصبي ، أتعلم أين هو ؟ ” هززت بكتفي علامة النفي و أنا مأخوذ بهول الفاجعة ، الكل من حولي يتساءل بمزيج من الدهشة و الحزن الشديد و كنت أتساءل معهم : ” كيف لصبي في الثالثة عشر أن ينتحر ؟ إته آخر ما يخطر على البال ، إنني لم أشهد في حياتي إنسانا محبا للحياة ، منفتحا عليها عاشقا لكل ما فيها مثل سامر ” . قال لي أحدهم : ” والد الصبي يجب أن يحضر ، أفق يا أخينا من ذهولك ، الصبي فارق الحياة و لا يجب تركه على هذه الصورة ، و أمه بين الحياة و الموت ، و يجب إخبار الشرطة كذلك ، أنت الوحيد يا بني قريبهم ، إهدأ رجاء و تصرف! ” فأجبته و الأسى يعتصر قلبي : ” والده في اللاذقية ”
*****
الوالد ؟!
حتى مرحلة بلوغ سامر ظل لاهيا عنه ، كان ضابطا كبيرا في الجيش و مديرا لإحدى المؤسسات العسكرية – التي نظرا لحساسيتها البالغة – إستحوذت على كل إهتماماته ، مهملا جانبا كبيرا من شؤون أسرته الوجدانية ، إلى أن جاء يوم إضطر معه لأن يقول لرؤسائه ( لا للسياسة) ، فلم يحتملوا ذلك منه فأحالوه إلى التقاعد المبكر .
كانت صدمة زلزلت كيانه ، فضابط مثله حفل سجله بالمنجزات و إمتلأ صدره بالأوسمة ، لم يحتمل هذا العقوق و لم يشده من إكتئابه الذي كاد يتحول إلى مرض نفسي سوى سامر الذي أخذ يسري عنه بأسئلته الذكية الطريفة و المحرجة أحيانا و التي لا ينضب معينها ، فأخذت جلساتهما تطول معا و مناقشاتهما تتشعب ، بحيث بدا أن كلا منهما إكتشف الآخر و سعد بإكتشافه .
سأله ذات مرة :
– كيف حدث أنك ضابط كبير مع أنك لم تشترك بأي حرب ؟
– ليس كل أفراد الجيش مقاتلين ، هناك ضباط إتصال ، ضباط تموين ، ضباط تعبئة ، ضباط تصنيع حربي ، ضباط هندسة ؛ تقع عليهم كل الأعباء التي تسمح للمقاتل أن يقاتل و أن يستمر في قتاله .
– و لكنني أعتقد يا أبي أن الضابط المقاتل أفضل ، لأن حياته أكثر تعرضا للتهديد ، ألا تشاطرني هذا الرأي ؟
– لا أبدا ، هذا أمر خاطئ تماما ، لأن كل الضباط و الجنود تحت الخطر ، ألم تسمع بالغارات الجوية – خلال حرب تشرين – على خطوط التموين و التي بلغ مداها حتى ميناء اللاذقية ؟
*****
و في مناسبة أخرى جرى الحوار التالي :
– كيف حصلت على كل أوسمتك و أنت لم تقاتل قط ؟
– إسمع يا بني ، ضباط الأركان يديرون المعارك في حروبنا المعاصرة من غرف العمليات و ضمن مخابئ محصنة و مواضعها محاطة بأعلى درجات السرية ، إنهم ليسم في المواجهة و مع ذلك تتوقف على درايتهم و علمهم و ذكائهم مصير المعارك ، فهل برأيك لا يستحقون التقدير لأنهم لم يشتبكوا مع العدو مباشرة ؟
و نهض إلى خزانة أوسمته و أحضر منها أحدها و ما لبث أن إستأنف حديثه بكل الجدية المعروفة عنه :
– هذا الوسام ثبته لي رئيس الجمهورية ، في أعقاب إنحسار العدوان الفرنسي ( أيار 1945 ) في إحتفال عام مهيب ، مع أنني لم أقاتل خلال العدوان ، فاصغ جيدا إلى قصته
كنت مع عدد من الضباط و الجنود السوريين ، كانوا يطلقون علينا حينئذ اسم القوات الخاصة – و هي قوات سورية بقيادة فرنسيين – ، و كنا ملحقين بثكنة المدفعية في قلب دمشق – في مكان مبنى الهاتف الآلي اليوم – و كنا نتابع الأحداث التي سبقت العدوان .
كان رؤساؤنا الفرنسيون يرغموننا على إقامة التحصينات في الثكنة و على نقل الذخائر و تجهيز المدافع ، و عندما أصدر رئيس الجمهورية نداءه بضرورة إنسحاب أفراد الكتيبة للإنضمام إلى المتطوعين و رجال الدرك ، بدأ الجنود يتسللون هاربين من الثكنة و الثكنات الأخرى ، و حالما كان ينتبه إليهم الحراس كانوا يمطرونهم بوابل من الرصاص فيصاب البعض و ينجو البعض . فقررنا أنا و بعض زملائي أن نقود عملية هروب جماعية منظمة و بكامل أسلحتنا ، و عصر التاسع و العشرين من أيار ، إنقضضنا على حراس الثكنة فشللنا حركتهم و من ثم صادرنا أسلحتهم و إنطلقنا نحو قلعة دمشق حيث رجال الدرك و المتطوعون ، و لكن ما أن ابتعدنا قليلا حتى إنهمرت القذائف حولنا ، و بلمح البصر استطعنا الإختفاء في الأزقة و الحواري المجاورة لشارع النصر ، و عندما تبعنا الدراجون الفرنسيون قاومناهم و أجبرناهم على الإنكفاء من حيث أتوا . و لكن للأسف الشديد شذ قائد المدفعية السوري الذي اصطدمنا معه قبل تنفيذ خطتنا فاضطررنا إلى تكبيله أيضا ، و يا ليتنا تخلصنا منه ، هذا الضابط هو من أمر باستخدام المدفعية ضدنا بداية ، ثم عشوائيا فوق القلعة و ما حولها .
– ألا يسمى هذا التصرف خيانة ؟
– بنظرنا نحن نعم ، و لكن بنظره إلتزام بقوانين الجندية .
*****
و في يوم آخر سأل سامر والده :
– كيف تمكن الإسرائليون من الوصول إلى سعسع ، و كيف تحول نصرنا إلى هزيمة ؟
– نحن ضحية مؤامرة أنكلو فرنسية منذ عشرينيات القرن العشرين ، هدفها الوحيد زرع إسرائيل بيننا و حمايتها ، ثم إنضمت إليهما الولايات المتحدة الأمريكية بعيد الحرب العالمية الثانية . و تهدف الخطة أيضا إلى تجزيء العالم العربي ، إلى دويلات ضعيفة ، يحكمها شيوخ عشائر أو أشباههم ممن لا يدركون سوى مصالحهم الشخصية ؛ و مما يضمن قيام ربيبتهم إسرائيل و توسعها ، ثم ظهرت مافيات الحكم لتكمل المأساة ؛ المهم أن القصة طويلة و يحتاج شرحها إلى أيام .
أعددنا للحرب و أتقنا الخطة و كان النصر حليفنا بداية ، إلا أن السادات لسبب لا زال مجهولا ، توقف عند منطقة قناة السويس مما أتاح للإسرائيليين أن يلتفتوا إلينا بكل قوتهم حتى أصبحت دمشق في مرمى مدفعيتهم ، و عندما أنجدتهم أمريكا بجسر جوي يحمل الجنود و العتاد الثقيل عادوا إلى الجبهة المصرية و أعادوا إحتلال الجزء الجنوبي من مدن قناة السويس و وصلوا إلى نقطة تقع على بعد حوالي مائة كيلومتر تقريبا من القاهرة .
– أليست هذه قمة الخيانة ؟
– هذه دكتاتورية القيادة و إغتصاب الحكم و غرور الحاكم و يمكن أن نسميها أيضا خيانة !
*****
و في مناسبة أخرى ، رجا سامر والده أن يعلمه كيف يستخدم المسدس ، فنهره و قال له بحزم : ” إياك أن تفكر بذلك قبل بلوغك العشرين على الأقل ، حمل السلاح كاللعب بالنار ، يحرق أصابعك و قد يؤذي غيرك بدون مبرر ، هذه المسدسات المذهبة و البنادق المزخرفة ، و الخناجر و السيوف كلها هدايا أعتز بها ، و هي الآن للذكرى و المشاهدة و ليست أبدا أبدا للإستعمال ! ”
*****
صحت الوالدة من تأثير المهدئ فعادت إلى الصياح و لطم الخدين و شد الشعر ، أما الجدة فقد وصلت لتوها و أخذت تشاركها هياجها ، فعاد الطبيب ليحقن وريدي المكلومتين بالمهدئ .
كان سامر أقرب أبنائها إليها ، فحسام بكرها كان أول تجارب أبيه التربوية فنشّأه تنشئة جافة شبه عسكرية ، أما إبنها الثاني ماجد ، فكانت شخصيته مهزوزة مما جعله مثار تندر أخواله و زملائه في المدرسة التي كان تقدمه فيها بطيئا . أما سامر فنجا من صرامة أبيه و تدليل أمه ، فبدت شخصيته القوية واضحة للعيان منذ وقت مبكر يزينها قدراته العقلية الشاملة و يتممها ذكاؤه الإجتماعي ، فقد أفلح بإقامة علاقة حميمة مع أمه رغم عصبية مزاجها ، كما تمكن من زحزحة والده عن صرامته ، حتى أصبح أقرب إلى الصديق منه إلى الوالد و كثيرا ما كان يصحبه معه في سفراته المتكررة إلى اللاذقية ليشرف على تخليص بضائع استوردها لحسابه ، ذلك أنه لم يطق حياة الفراغ فأنشأ مكتبا تجاريا آخذا في النمو .
*****
– هل تعلم في أي فندق يقيم عادة عندما يسافر إلى اللاذقية ؟
سألني ضابط الشرطة بعد أن عرف أن أبا حسام في اللاذقية ، فأجبته :
– لديه شاليه في مكان ما ، أظنه الشاطئ الأزرق.
فالتفت إلى أحد أعوانه آمرا : ” أرسل إشارة إلى اللاذقية و ليدعوه يحضر في الحال ” ثم سألني الضابط ثانية : ” من أين حصل صبي كهذا على مسدس من أحدث طراز ؟ ” فأجبته : ” والده كان ضابطا كبيرا ، المقدم نذير الملاح ، ألم تسمع به ؟ و لديه خزانة ملأى بجميع أنواع الأسلحة أهديت إليه بمناسبات متعددة عندما كان مديرا لإحدى المؤسسات العسكرية . ”
حضر الآن متخصصون بالأدلة الجنائية و معهم مصور بدأ للفور بالتقاط صور للقتيل و ما حوله، فأمر الضابط حشد النساء و الرجال من الجيران بالمغادرة كي يتمكن هؤلاء من القيام بمهامهم و لكنه أبقى على سيدة مسنة و رجلين لأغراض التحقيق .
سأل المحقق السيدة : ” ماذا شاهدت عندما دخلت غرفة المجني عليه ؟ أجابت بأسى : ” كان تحت الفراش ! ”
” تحت الفراش ؟ ” لم غيرتم وضعه ؟ ” سأل مستاء ، فأجابته : ” رفقا بأعصاب أمه ” فصاح المحقق غاضبا : ” هذا خطأ ، عند حدوث جريمة يجب ترك كل شيء على حاله ، نبهنا إلى ذلك بواسطة الإذاعة و التلفزة ” فأجابه أحدهم : ” إنها ليست جريمة سيدي ، إنه إنتحار ! فصاح في المحقق في وجهه حانقا :” و ما يدريك أنت يا أخانا ؟ تفضل و خذ مكاني إذا لم يعجبك كلامي ”
دخل الآن ماجد ، ما أن رأى أخاه حتى أخذ يصيح و يبكي و يضرب رأسه بالجدار ، و عندما دخل حسام ، تسمر في مكانه فاغرا فاه و كأنه تمثال شمعي !
قال المحقق و قد بدأ ينفذ صبره و بشيء من الغلظة :
– حسام ، تماسك و أجبني على أسئلتي : ” لقد وجدنا عبوة الذخائر فارغة ، فمن كان يستعمل المسدس و هل المغدور يعرف إستعماله ؟ ”
– حد علمي ، أن أسلحة أبي في الخزانة و أن مفتاحها دوما معه .
– كانت الخزانة مفتوحة ، فكيف تفسر ذلك ؟ أين كنت أنت عند حدوث الجريمة ؟
– الجريمة ؟
تساءل حسام مشدوها ، فأجابه المحقق :
– نعم جريمة، إن أحدا ما من أهل البيت ، دخل فارتكب الجريمة ، ثم غطى الضحية بالفراش ، و تسلل من ثم هاربا .
أحس حسام كأن المحقق صفعه ، فأجابه مستاء :
– تعني أن أحدنا مشبوه ؟ هل يقتل الأخ أخاه ؟ هل تقتل الأم ولدها أو يقتل الأب فلذة كبده ؟ نحن عائلة مترابطة يا سيدي و نحب بعضنا بعضا .
قطب المحقق جبينه و رد عليه بما يشبه الصياح :
– لا يخدعني هذا الكلام المعسول ، ثم أنا من يطرح الأسئلة و أنت عليك الإجابة ، و الوقائع التي أمامي تشير إلى وجود مغدور في هذا البيت ، ويجب أن نعرف من غدر به ، و سنعرف !
كان متخصصو الأدلة الجنائية ، قد نقلوا سامر إلى مكان آخر و أخذوا يتفحصون فراشه -و سريره و جدرانه ، و فجأة نادى رئيسهم للمحقق ، فقد عثر على بعض الأدلة الهامة ، قال له بثقة :
– وجدنا المسدس تحت الجثة ، ثم أنظر إلى هذه الثقوب في أسفل الفراش ووسطه ، كل منها كان فيه رصاصة ، يبدو أن الصبي كان يدرب نفسه على إستخدام المسدس تحت الفراش و الأغطية بحيث لا يسمعه أو ينتبه إليه أحد ، و يبدو أن توازنه خلال التمرين الأخير لتنطلق الرصاصة إلى فمه و لتخرج من ثم من عينه ؛ ليس في الأمر جريمة و كذلك فإن الصبي لم ينتحر . و لكنني سأحمل كل شيء إلى المختبر كما سأرسل الجثة إلى الطبيب الشرعي حيث سنجري مزيدا من الفحوص ثم أوافي النيابة العامة بتقريري النهائي الذي سأرسل لك نسخة منه .
*****
دخل نذير بك باب العمارة ، هكذا كانوا ينادونه ، و توجه رأسا نحو المصعد ، تقدم منه أحدهم : ” البقية بحياتك ” لم يجبه ، و استمر في صمته إلى أن بلغ داره ، و على أقرب كرسي جلس مذهولا تماما ، سأل الجدة : ” كيف انتحر و ما السبب ؟
فأجابه حسام : ” لم ينتحر ، كان يتدرب على استخدام السلاح ”
– ألم ينتبه إليه أحد ؟
– كان يتدرب تحت الفراش
أحس نذير بك بنغزة في قلبه فوضع يده على صدره . و لكن حسام أضاف :
– ترك لك المحقق هذه الرسالة يطلبك غدا صباحا لإستكمال التحقيق .
– أين أمك ؟
– منهارة تماما و حملوها إلى المستشفى .
– و أين ماجد
– منهار هو الآخر و أخذه أخوالي إلى بيتهم .
نفث نذير بك زفرة حرى و هو يقول : ” سامحك الله يا سامر! لطالما نبهتك أن حمل السلاح خطر على صاحبه أكثر من خطورته على الآخرين ” و إلتفت إلى حسام و الجدة قائلا بأسى بالغ :” لقد قتله فضوله ! ”
أما أنا فهمست في داخلي : ” و أنت أيضا مسؤول يا نذير بك ”
—————————–
سوري مغترب