قصة قصيرة

 نزار ب. الزين*

            كانوا  ثلاثة ، سامي و زكي و صفوان ، تزاملوا في المرحلة الثانوية منذ بدايتها و استمروا معًا ، نفس المستوى الدراسي ، نفس الميول و المواهب ، نفس الإتجاهات مع فارق بسيط  في المستويين الاقتصادي و الاجتماعي اللذان لم  يؤثرا  قط  على  علاقتهم الحميمة .
اذا زار زكي أو صفوان أو كليهما معا  سامي في داره ، يستقبلهما والده بكل ود و احترام .
و اذا زار سامي صديقه زكي لوحده أو بصحبة صفوان فإن السيدة أم زكي تستقبله أو تستقبلهما بالترحاب و كأنهما ولداها ، و تحتار كيف تكرمهما .
أما شقيقة صفوان الكبرى و التي أصبحت في مقام والدته بعد أن رحلت والدته إلى العالم الآخر ثم تبعها والده بعد أشهر ؛ فكانت تشاركهما الحديث و النقاش و لكن خلف باب نصف مغلق .
كانوا يتنزهون معا و يتجولون في شوارع المدينة أو أسواقها معا ، و يشاركون في الرحلات المدرسية أو الترويحية معا .
كانوا ملتصقين سواء في المدرسة أو خارجها ، و قد يخالهم الآخرون إخوة ، و حتى أن بعض زملائهم أطلقوا عليهم لقب الفرسان الثلاثة .
و كبر ثلاثتهم معا و حصلوا على الثانوية العامة معا ، ثم توجه كل منهم في اتجاه مغاير .
سامي حصل على وظيفة في وزارة المعارف ( التربية ) ، و زكي حصل على وظيفة في وزارة المالية ، أما صفوان فقد التحق بكلية الطب بدعم من أخيه المغترب .

*****

و ذات يوم …
لمح سامي شقيقة صفوان الصغرى ، فأعجبته ، كان يراها كثيرا عندما كانت أصغر سنا فلم تكن تلفت إنتباهه ، و لكنها نضجت الآن و تحولت إلى فتاة جميلة تضج بالأنوثة و الجاذبية .
استولت على كل تفكيره …
تصورها على عرش الزفاف*  إلى جانبه…
تخيلها زوجة مخلصة و أما حانية تملأ بيته بالبنين و البنات …
لم يكن حبا صاعقا أو رومنسيا كما تُصوره الروايات أو أفلام السينما ، بقدر ما كان قناعة تامة بأن هذه الفتاة تصلح لأن تكون شريكة حياته ، و أن صداقته لصفوان سوف تدعم هذا الزواج ، فهو أدرى من أي إنسان آخر بخلفيته الإجتماعية و استقامة خلقه .
استشار زكي حول نيته، فرحب بالفكرة و شجعه بحرارة ….
استشار أم زكي ، فشجعته بزغرودة …
إستشار والديه ، ففرحا و شجعته أمه بزغرودة مجلجة …
عرضت أمه أن تذهب في الحال لخطبتها فرجاها التريث قليلا ، ريثما يستشير صديقه ، إذ لا يجوز أن يكون صفوان آخر من يعلم !
– و هل سيجد أفضل منك ؟
سألته أمه ، فأجابها ضاحكا :
– ( القرد بعين أمه غزال )
و لكنه أصر على التريث ….
لملم شجاعته و فاتح صفوان في الأمر …
انتظر ترحيبه الحار ….
انتظر ابتسامته المشرقة ….
انتظر أن يشد على يده مشجعا …
و لكنه أبداً لم يتوقع أن يجيبه صفوان بشيء من الجفاء :
– في حالة حدوث خطوبة رسمية وفق الأصول فسوف لن أعارض (؟!)
كان كمن يتكلم مع غريب !!!….
و كانت تلك هي الصدمة الأولى التي تمكن سامي من تجاهلها بصعوبة .

*****

تحرك وفد نسائي من طرف سامي لطلب يد سعاد شقيقة صديقه ، وفقا للتقاليد – تماماً كما طلب صفوان – و كانت الاجابة لدهشة الجميع و في مقدمتهم سامي :
– (( سوف نسأل عنه و نتشاور مع الفتاة و الأهل و نرد لكم الجواب بعد شهر ))
يا للعجب العجاب !!!
يسألون عني ، أنا ؟!
و كأنهم يتكلمون عن غريب ؟!
يسألون عني أنا ، و هم أدرى الناس بمن أنا ؟؟
و كانت تلك الصدمة الثانية

*****

و مضى الشهر الموعود ، اختفى فيه صفوان عن ناظر صديقيه سامي و زكي معاً ..
و عندما ذهبت خالته للحصول على الجواب …
كان الجواب
– (( مافي نصيب ! عم البنت لم يوافق !!!! ))
و كانت تلك هي الصدمة الثالثة
انقطعت الصلة بين سامي و صفوان إثر هذا الموقف الذي أقل ما يقال فيه أنه غير ودي و إنكار لصداقة السنين ، و الذي لا يمكن إدراجه تحت أي عبارة تبريرية !

*****

و رغم عمل سامي الناجح و زواجه الأكثر نجاحا …
و على الرغم من إنجابه خمسة أطفال أصبحوا محور حياته و آماله
فإنه ظل يتساءل بينه و بين نفسه :-
” ترى ما العيب الذي اكتشفوه بي ، و أنا لا أعرفه؟! ”
” و ما سر الموقف السلبي الذي عاملني به صديقي صفوان؟! ”
” و كيف تبخرت صداقة عشر سنين و ضاعت و كأنها لم تكن ؟ ”
————————-

*( الأسكي أو الكوشة )

————————-

*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب