قصة قصيرة
نزار ب. الزين*
.
المشهد الأول
– ولدي لما يتجاوز العشرين يا بنيتي ،
أليس حراما أن يفني شبابه في السجون ؟
أجهت بالبكاء ،
ثم بذلت جدا كبيرا و هي تلملم نفسها قبل أن تضيف :
– و الله ثم و الله لم يرتكب إثما ، و لم يشتم أحدا من المسؤولين ، و لم يشاغب ضد الحكومة ، و أقسم لك أن المسألة كلها فرية ظالم من بدايتها إلى نهايتها .
فقد كان ابني رشدي – الله يخلي لك أولادك – متوجها بسيارته إلى عمله صباحا في الضاحية كعادته ، عندما صدمته سيارة كانت تمشي بعكس السير ، و كان سائقها يقودها بسرعة جنونية كادت تفقد ولدي و ذلك السائق الأرعن حياتيهما !
و بدلاً من أن يعتذر ، توجه نحو ولدي و أخذ يكيل له اللكمات ، فتجمع الناس و خلصوه من بين براثنه ، فاستشاط غضبا ، ثم هرع إلى درج سيارته فأخرج منه مسدسا ، ثم أطلق طلقة في الهواء لإبعادهم ، ثم دار حول سيارة ابني و أخذ يطلق الرصاص على عجلاتها ؛ و عندما قدمت الشرطة متأخرة ، قبضت على ولدي ، و تركت الآخر بعد أن أخبرهم أنه إبن أحد كبار المسؤولين .
تلك و الله كانت الواقعة ، التي يشهد بها كل من حضرها …
أرجوك و أقبل يديكِ … بل قدميك إن شئتِ !
أن تكوني واسطة خير مع زوجك سيادة العقيد جمال كي يفرج عنه أو يترأف به على الأقل .
كانت أم رشدي تتوسل لحرم العقيد جمال و قد ملأت الدموع وجهها ، و هذه تحاول بدورها أن تهدئها واعدة أن تبذل قصارى جهدها .
*****
المشهد الثاني
يقرع الباب
يتقدم شيخ في الخمسينيات ، محييا العقيد جمال محاولا تقبيل يده .
يتبعه آخرون …
العم و الخال و الأشقاء ..
بعضهم ينجح بتقبيل يده !
يجلسون جميعا بعد أن أذن لهم العقيد ، في غرفة الضيوف ، و قد اصفرت وجوههم ، و استبدت بهم بعض مشاعر الرهبة !
– من منكم والد رشدي سليم ؟
يسأل العقيد جمال ، فيجيبه الوالد في الحال :
– أنا سيدي !
– أنت لم تعرف كيف تربي ابنك يا رجل ، ولدك تعدى على إبن سيادة الوزير( س ) ، قرأت التقرير ثانية صباح اليوم ، و سيحول إلى محكمة عسكرية لحيازته سلاحا !
رد العقيد جمال بصلف ، فأجابه أبو رشدي مدافعاً :
– لقد عكس كاتب التقرير الحقيقة يا سيدي العقيد و ……
و قبل أن يكمل نهره العقيد صائحاً :
– محققونا لا يكذبون ،
إبنك الكاذب …
وجدوا المسدس في سيارته ،
القضية واضحة و لا لبس فيها ،
فرد عليه أبو رشدي منكسر الخاطر و بصوت خافت :
– أمرك سيدي ، إبني هو من خالف السير ، و هو من صدم إبن المسؤول ، و هو من أطلق الرصاص على عجلات سيارته ..
– أتتهكم جنابك ؟
سأله العقيد غاضبا ، فأجابه الرجل بفم مرتعش :
– حاشا لله سيدي العقيد !!
أجابه متأسفا ، ثم أضاف :
– لقد جئنا إليك جميعا راجين خاشعين خاضعين ….
لا نطلب منك سيدي إلا الرأفة بشاب لمّا يتجاوز العشرين ، على وشك أن يضيع مستقبله …
إعتبره شقيقك ..
إعتبره خادمك …
إعتبرنا كلنا هنا خدامك و تحت أمرك سيدي العقيد !
*****
المشهد الثالث
وزع أحد العناصر القهوة العربية المُرة على الحضور
رشفوا جميعا القهوة دفعة واحدة ، و عيونهم شاخصة نحو العقيد بقلوب واجفة متلهفة…
كان العقيد خلال ذلك صامتا مقطبا ، ثم أخذ يتأمل وجوههم فردا فردا …
حتى إذا انتهى العنصر من جمع الفناجين الفارغة ، وجه العقيد سؤاله إلى ( أبو رشدي ) ، و قد انتفخت أوداجه و ازداد جبينه تقطيبا :
– ما هي طبيعة عملك ؟
فأجابه هذا على الفور :
– أنا يا سيدي نجار ، كلنا يا سيدي العقيد نجارون ( أفرنجي )
– يعني ؟
– يعني مفروشات أوربية ، أرضيات خشبية ،مطابخ ، ديكورات زينة…
هز العقيد رأسه علامة الرضا ، ثم أضاف :
– أريد أن أدخل بعض الديكورات الخشبية إلى بعض غرف المنزل ، و أريد منك أن تنهض الآن معي لتقدر التكاليف .
– تكاليف ؟!
أجابه ( أبو رشدي ) مستهجنا ، ثم أضاف :
– كلنا يا سيدي تحت أمرك ، و سنحول بيتك إلى قصر بعون الله ، حالما تأذن لنا بالبدء ! كلنا ..كلنا ..ننتظر منك إشارة البدء سيدي العقيد ، و لن نكلفك فلسا واحدا !
*****
المشهد الأخير
انتظروا مليا قبل أن ينطق العقيد جمال – و قد ازدادت أوداجه انتفاخا و زاد جبينه تقطيباً – فيمنَّ عليهم بما يلي :
أولا : سأسمح لكم بزيارته في السجن كل يوم جمعة .
ثانيا : نبهوه إلى ضرورة التوقف عن اتهام ابن سعادة الوزير ( س) .
ثالثا : سآمر بالكف عن تأديبه منذ اليوم .
رابعا : سأسعى للإفراج عنه حال انتهائكم لديكور البييت !!!
—————————-
سوري مغترب