قصة واقعية
نزار ب. الزين*
لم تكن لمياء تتجاوز العشرين عندما تمت خطوبتها ثم زواجها من نادر .
عندما جاء ليخطبها مع عائلة من معارف والديها ، رفض والدها بداية فكرة اغترابها ، و لكن نادر بما يملك من قدرة عالية على الإقناع مرفوقة بابتسامة محببة تنم عن طيب صاحبها ، و بما قطعه من وعود تدل على ثرائه و كرمه ، استطاع انتزاع موافقة الوالد بعد لأي .
و تم الزفاف في حفل رائع أبرز فيه نادر سخاءه و كرمه ، و كانت ليلة – كما وصفتها إحدى القريبات – من ليالي ألف ليلة ؛ ثم كان السفر إلى مدينة ديترويت من مدن العم سام .
حضر الكثيرون من معارفه في المهجر مع أسرهم لاستقبالها و التعرف عليها – فالعرب في تلك المدينة كثر – قدموا لها الهدايا مهنئين مباركين ، راجين لها و له استمرار الرفاه مقرونا بكثرة البنات و البنين ؛ و ظل كعادته دمثا جذابا ، مما جعل لمياء تشعر أن الجميع يحبونه بلا استثناء ، صغارهم قبل كبارهم ، فكلامه درر منثورة ، و حديثه كشهد العسل ، و هو متعدد المعارف ، واسع الثقافة ؛ فإن تطرق للسياسة تخاله سياسيا مخضرما ، و إن خاض بالعلوم تظنه عالما متمكنا ، و إن تطرق للفلسفة حسبته فيلسوف زمانه ؛ أما إن شاء أن يعطر الجلسة بفكاهة فإنه يُضحك الجميع حتى القهقهة !
و لكن …
و لكن عندما يخلو لهما المكان ، تتجهم أساريره و يبدأ بسلسة من الملاحظات و المآخذ عل سلوك عروسه ، خلال وجود ضيوفهما ، ملاحظات أغلبها افتراء .
ثم يوما بعد يوم ، أخذ يطيل لسانه و خاصة عندما بدأت لمياء تناقشه و كثيرا ما كانت تفحمه – فهي أيضا مثقفة و واسعة الاطلاع ، و عندما خطبها كانت في سنتها الجامعية الثانية / كلية الآداب – فعندما تفحمه كان يتناولها و أهلها بأقذع الشتائم و أبشع السباب (!) .
و في أقل من شهرين اكتشفت لمياء صفة أخرى في عريسها ترددت كثيرا قبل أن تعطيها صفة البخل .
فقد بدأ يستكثر عليها ما تنفقه على نفسها من ضروريات امرأة لا زالت عروساً ، ثم أخذ يضيّق عليها حتى في إتصالاتها مع أهلها ، ( مرة واحدة كل شهر و لمدة ثلاث دقائق فقط لا غير ) .
و الويل و الثبور و عظائم الأمور تهبط على أم رأسها إن اكتشف أنها تجاوزت قوانينه الصارمة و سقف الصرف الذي حدده ؛ ثم وصل تخطيطه في مجال الاقتصاد المنزلي إلى اشتراطات مقننة كالتالي :
” رطل ( باوند ) واحد من اللحم كل ثلاثة أيام ، صنف واحد من الفواكه كل أسبوع ، طبخة خضار واحدة كل يومين مع نصف كوب من الرز ، أما الحلويات فكل شهر قطعتا حلوى ! ”
و كانت حجته الدائمة : الحرص على مستقبل آمن و كبرة كريمة !
أما إذا تواعد لزوار فإن قريحته تتفتح- كالعادة- بأعذب الألفاظ و أرق العبارات و كذلك تنفتح محفظته لتتقيأ نقوده بلا حساب !.
استطاعت لمياء أن تعزز صلتها بسيدة من معارف زوجها ، و عندما تأكدت أنها أهلا للثقة ، أسرت لها بما تعانيه من شكوك زوجها و بخله و طولة لسانه ، و أنها لم تجرؤ على إخطار والديها بحالتها السيئة هذه ، خشية عليهما من عواقب الصدمة .
لم تستطع السيدة أم سعيد أن تستوعب أو تصدق ما تسمعه في البداية ، و لكن دموع لمياء السخية و خزانتها شبه الخاوية و ثلاجتها الفقيرة ، أكدت لها صدق شكواها !
قصت أم سعيد على زوجها ما سمعته من لمياء و ما شاهدته ، فدبت الحمِّية بأبو سعيد الذي اغتنم أول فرصة ليناقش نادر حول الموضوع .
أنكر نادر بداية ثم ما لبث أن خرج عن دماثته المعروفة ، فاستبد به الغضب و أخذ يكيل الاتهامات لزوجته ،فهي تعاني – كما زعم – من الحساسية المفرطة و التوهم و الهلوسة ، وأنه يشك بمعاناتها من مرض عقلي ، و عندما أجابه أبو سعيد بأن أحدا لم يلاحظ عليها مثل هذه الأعراض ، استشاط غضبا و صاح بصاحبه :
– أنت تكذبني ؟ و من أنت حتى تحاكمني ؟ على أي حال لن أسمح بعد الآن لأي إنسان أن يتدخل بشؤون بيتي ، وبلِّغ أم سعيد ، ان زيارتها لبيتي لم تعد مرغوبة ثم مضى و هو يغلي غضبا !
و ما أن دخل البيت حتى بادر عروسه بصفعة دوختها ، و عندما قاومته و صرخت في وجهه معترضة طالبة الطلاق ، استبد به الانفعال و أخذ يكيل لها اللكمات و الصفعات .
شعرت أم سعيد من حديث زوجها أن نادر قد نوى الشر ، فما أن أزفت ساعة الدوام الرسمي ، حتى هرعت لتطمئن على لمياء .
كانت لمياء في حالة يرثى لها فقد ملأت الكدمات رأسها و وجهها و امتلأ جسدها بالبقع الملونة حمراء و بنفسجية و زرقاء و استجابة لرجائها عادت إلى منزلها لتتصل بذوي لمياء .
بعد يومين قدم اثنان من أبناء عمومتها من مدينة لوس أنجلس ، و طالبا نادر بطلاق لمياء في الحال و إلا اضطروا لإبلاغ الشرطة .
قال لهما في معرض دفاعه عن نفسه أنه ينفذ تعاليم دينه ،فالرجال قوامون على النساء ، و للمرأة تربيتان أولاهما عند أهلها و الثانية عند زوجها ، و عدم طاعة الزوج يتضمن عدم طاعة الله ، و أن التبذير محرم شرعاً ؛ و عندما جابهاه بأن ما قام به ضرب من الاسترقاق أجابهما بكل صفاقة : ” نعم ، أنا اشتريت جارية ، و إلا بِمَ تفسران العقد و طلب المهر و مؤخر الصداق ، أليس ذلك في الواقع صفقة تجارية ؟ ”
عندما أدرك نادر أن ابني عم لمياء جادَان و أنهما على وشك التحرك لتقديم الشكوى ، نطق بيمين الطلاق مرغما !
——————
سوري مغترب