قصة قصيرة

نزار ب. الزين*

         – نعم أنا الدكتور عبد الجبار أستاذ علم الفيزياء النووية ، لقد قضيت معظم شبابي سعيا إلى بناء شخصيتي العلمية في الخارج ، فحصلت على درجة دكتوراه و درجتي ماجستير قبل أن أعود إلى وطني مرفوع الرأس !
– أبدا لم أفكر باستخدام إمكانياتي و خبراتي العلمية لصنع أو للمساهمة في صنع أسلحة دمار شامل …
– أنا لست سوى عالم يعشق علمه ، و كل همي في الحياة أن أكشف عن خبايا المادة و إمكانياتها الهائلة لتسخيرها في خدمة الإنسانية !
– إطلاقا لم يحصل ذلك ؛ عندما دعاني الرئيس للمساهمة في المشروع ، لم يذكر لي أبدا أنه ينوي تسخير الطاقة النووية لإنتاج سلاح نووي ، بل أكد لي أنه يسعى لاستخدام هذه الطاقة الجبارة للإحتياجات المدنية كإنتاج الكهرباء مثلا ، كما تفعلون في بلادكم .
– سيدي المحقق ، أنا لم أكن أكثر من موظف في خدمة الدولة و لم يكن لدي أي دخل في قرارها السياسي !.

*****

يعود الدكتور عبد الجبار إلى دارته منهكا …
<< هذه هي المرة الثالثة عشر تدعوني فيها مخابرات الإحتلال للتحقيق ، و في كل مرة يستغرق التحقيق أكثر من خمس ساعات ! >> يقول لزوجته بصوت كسير ،
ثم يضيف : << يسعون بلا ملل لإلصاق تهمة ما بشخصي ، و كأني بهم ينتظرون مني زلة لسان ليرسلونني من ثم إلى أبي غريب >>
ثم يضيف غاضبا : << قلت لهم أكثر من مرة ، أنا لم أنتسب قط للحزب الحاكم أو لغيره ، و لم أشارك قط بأي نشاط سياسي ، أنا لست أكثر من أستاذ جامعي ظل لسنوات يقدم معلوماته و خبراته لطلابه ، قبل أن تستدعيني الرئاسة للمساهمة في المشروع ، أنا لست أكثر من موظف يأتمر بأمر رؤسائه ، و لا علاقة لي لا بأسلحة دمار شامل و لا حتى بإنتاج مسدس عادي >>
يصمت فترة و هو يهز برأسه تعجبا ، ثم يضيف قائلا : << ربنا يستر يا أم شاكر ، و لا زلت أرى ضرورة مغادرتك و الأولاد إلى أي بلد عربي مجاور ، ريثما تزول الغمَّة >>

*****

يستغرق و قتا طويلا قبل أن يهدئ زوجته من نوبة بكاء حادَة انتابتها ، بعد سماعها ملاحظته الأخيرة ، كانت تردد بشكل هستيري عبارة واحدة (( أبدا لن أغادرك … أبدا لن أغادرك … أبدا لن أغادرك …حتى لو فصلتَ رأسي عن جسدي ))  …
و على حين غرَّة ، يسمعان صوت طائرة مروحية يكاد يصم الآذان …
ثم يسمعان لغطا قرب باب الدارة ،
ثم ضربة قوية تقتلع الباب من إطاره ،
ثم  يدخل عدد من الملثمين  ، .
تصرخ أم شاكر مستغيثة …
يصرخ الأطفال مذعورين …
يلجأ شاكر إلى حضن والده و قد انتابه الهلع فكاد يخنق صوته !
يلجأ بقية الأطفال إلى أحضان أو جوار والديهم ؛
يتقدم منهم ملثم  يبدو أنه رئيسهم ،
يأمرهم – بلغة عربية مكسرة – أن ينبطحوا …
يقف  الدكتور عبد الجبار متحديا و يصيح  بأعلى صوته :  << من أنتم و بأي حق تقتحمون منزلي ؟  >>
يقف ابنه شاكر إلى جانب والده متحديا بدوره أمر الإنبطاح …
يجيبهما رئيس الملثمين بصلية رشيش من طراز ( عوزي ) فيرديهما قتيلين في الحال …..
تستغيث أم شاكر بصوتها الجريح : ((( وا معتصماه !…. )))
عشرون معتصم أصم ، يتجاهلون  استغاثتها !!!

—————————-

*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب