قصة قصيرة
نزار ب. الزين*
مجموعة من طلاب كلية الطب برفقة أستاذهم ، يزورون مصح الأمراض العصبية و النفسية .
أحد الطلاب يلفت نظره مريض في ريعان الشباب ، جلس على طاولة في أحد أركان القاعة الثالثة ، و قد ملأ جيب قميصه بالأقلام ، و غرس وراء كل من أذنيه قلما إضافيا و انكب على ورقة بين يديه يرسم عليها خطوطا متقاطعة ؛ فتقدم منه و جرى بينه و بين المريض الحوار التالي :
– أنا محمد الأحمد طالب بكلية الطب ، هل لي أن أتعرف عليك ؟
فحملق المريض في وجهه مليا ، ثم أجابه هامسا :
– ألست من المكتب الثاني ( المخابرات ) ؟
– أبدا و الله أنا طالب جامعي و أقوم مع رفاقي بكتابة بعض الملاحظات عن مرضى المصح ، و قالوا لنا أن مرضى القاعة الثالثة يمكن التفاهم معهم لأن حالاتهم معتدلة .
وقف المريض و اقترب من الطالب ، ثم أجابه بصوت خفيض :
– هل يمكنك مساعدتي للخروج من هذا المعتقل ؟
أجابه الطالب هامسا :
– سأفعل ما بوسعي إذا أجبتني على كل أسئلتي :
عاد المريض إلى مقعده و ابتدأ من ثم يجيب :
* أنا إبراهيم السيد
* أنا ضحية مؤامرة دبرتها لي المعارضة يا دكتور..
* أنا من أعوان الرئيس ، و أكثر الناس التصاقا به ، و لكن عندما اكتشفت أنهم يخططون لإغتياله ، دبروا لي تهمة ، و ألقوني في غياهب هذا المعتقل .
* الرئيس لا يعلم أنني في المعتقل و من المؤكد أنه يبحث عني في كل مكان ..
* هل بإمكانك تمرير رسالة إليه ، أرجوك إفعل فالمؤامرة كبيرة وتشترك فيها بعض السفارات الأجنبية .
* أما هذه الأوراق فهي ملفات اختراعاتي التي ستغير العالم !
* الأول ، يتعلق بسلامة النقل بين القارات ، فأنت تعلم بمآسي حوادث الطيران و اختراعي هو بديل للطيران ، هو بكل بساطة عبارة عن تمديد كابلات بين الدول تتجاوز الجبال و البحار و المحيطات ، و تتنقل فوقها المركبات كأنها فوق سكك القطارات .
تجمع الآن حول ابراهيم طلاب آخرون و مرضى آخرون
يستريح ابراهيم قليلا ثم يتابع :
* أما الإختراع الثاني فهو أكثر أهمية ، هو حفر بئر عميقة .. عميقة جدا تخترق مركز الكرة الأرضية ثم تنفذ من الطرف الآخر ، فمثلاً إذا حفرنا البئر في دمشق يمكن أن تنفذ من إحدى المدن الأمريكية ! أليست الأرض كرة ؟
نشر ابراهيم أوراقه و قد امتلأت خطوطا غير مفهومة في كل اتجاه ، ثم أضاف :
– هذه هي مخططاتي هل يمكنك يا دكتور محمد أن توصلها إلى الرئيس ؟
أجابه محمد مبتسما :
– طبعا طبعا !
ثم أضاف هامسا :
– و تبلغه أن ساعده الأيمن ابراهيم السيد معتقل ؟
فأجابه :
– سأفعل ( على عيني و راسي ) !
*****
و أمام ذهول طلاب الجامعة و أستاذهم و مدير المصح صعد ابراهيم فوق الطاولة ، و أخذ يهتف :
-عاش …عاش فكري بك …
فرد المرضى بصوت واحد :
– عاش … عاش… عاش
ثم هتف :
– من زعيمكم يا شباب ؟
فأجابوه بصوت واحد :
– فكري بك …
من أبوكم يا شباب ؟
فأجابوه بأعلى أصواتهم :
– فكري بك …
ثم أخذوا يهزجون مرددين وراء ابراهيم :
* فكري بيك ….فكري بيك
* لعينيك … لعينك
* و يا دوّاره دوري دوري
* على عِداك دوري دوري
* و عِزي و بلادي … سوريه
* الله يحميك ….. سوريه
* من شر عِداك …سوريه
ثم هتف بصوت مبحوح :
– تسقط المعارضة العميلة …. تا
فردد المرضى :
– تسقط … تسقط…. تسقط
ثم اتخذ موقف الخطيب و أضاف مقلدا صوت الرئيس و حركات يديه :
– أيها المواطنون …يا معشر شباب القاعة رقم 3 ، أبشركم بأنني حصلت على وعد شرف من زوارنا الكرام ، بأنهم سيتعاونون معنا على فضح المؤامرة الإستعمارية …الصهيونية .. الأمبريالية …..البلشفية…. الفاشية ..الماسونية.. الدنيئة ، و أنهم سينضمون إلينا في هذا الصرح الجبار …صرح القاعة رقم 3 … رمز النضال من أجل الحرية …و ذلك لكشف المؤامرة الخسيسة …التعيسة… .النجيسة .. النحيسة…الكبيسة ….و سيعملون على إخراجنا من هذا المعتقل في القريب العاجل !
* يحيى( طباطبة) المستقبل ….يا
و بصوت واحد رددوا :
* يحيى ….يحيى ….يحيى
—————————-
سوري مغترب