قصة قصيرة
نزار ب. الزين*
في ريعان الصبا كانت ، و لكنها شاحبة اللون ،على وجهها مسحة من الجمال الحزين ، و في عينيها أمارات الألم ، و على ثوبها علامات التآكل و القدم .
طرقت بابه طالبة ما تسد به الرمق ، و لكنها لقيت منه ما لقيت من غيره : ” أنت صبية يا هذه … إبحثي عن عمل بدل التسول ”
ثم أغلق دونها الباب ، و ما أن تحولت خطاه للداخل حتى سمع صوت ارتطام ، هرع إلى الباب ففتحه ثانية ، فهاله أن رآها طريحة الأرض تلهث لهاث المحتضر .
وقف برهة تجاهها و قد ملكته الحيرة ، و لكن تردده لم يطل ، حملها من تحت إبطيها و جرها نحو الداخل ، رفعها بصعوبة فوق وثير ، ثم أخذ يرش وجهها بماء بارد …
فتحت عينيها بصعوبة ..
همست بصوت خافت متقطع : ” لم يدخل الزاد فمي منذ أيام ثلاثة !”
” و لكن من أنتِ ؟ و ما أوصلك لهذا الحال ؟!” سألها مستغربا ، فأجابت : ” أهلي يا أستاذ ، عقدوا لي على رجل أكبر من والدي لأنه صديق والدي .. فهربت ! ”
عندما أحضر لها كوبا من حساء العدس ، كانت قد جهزته له زوجته قبل توجهها لزيارة أهلها ، وجدها متخشبة …
فك أزرار قميصها ..
رفع رأسها بيسراه …
سد أنفها بإصبعي يمناه ..
و بدأ يمنحها قبلة الحياة ….
ينفخ في فمها ، ثم يضغط على صدرها ، تماما كما تعلم أيام الكشافة .
تدخل زوجته ….
تشاهده يقبل الفتاة …
تولول ..
تقسم أنها لن تبقَ معه لحظة واحدة ، يحاول أن يشرح لها فلا تصدق ،
، ثم تعود من حيث أتت ..
يدخل جاره أبو راشد : ” سمعت صوت صراخ ” يتساءل !
يحكي له القصة ، فينصحه بطلب الإسعاف أو الشرطة أو كليهما فالفتاة قد تكون ميتة!!! .
*****
يا سيدي المحقق ، و الله هذا ما حصل ، أشفقت عليها ، فقد كانت مرمية على عتبة داري ، فحاولت إسعافها ..
طوال عمري ، لا أحب الشحاذين ، و لكن هذه المرة أشفقت عليها ، كانت جائعة ، قالت أن الزاد لم يدخل فمها منذ أيام ثلاثة ، لقد أدمت قلبي !
” أدمت قلبك أم أثارت شهيتك ؟! ” أجابه المحقق بغلظة ، ثم أضاف : ” زوجتك تقول أنك كنت تعاشرها !…. ”
معاذ الله ! .. و الله ياسيدي المحقق كنت أحاول إسعافها ، كنت أمنحها قبلة الحياة ، تعلمت ذلك أيام كنت كشافا في المدرسة الثانوية ..
يضحك المحقق ، ثم يضيف متهكما :
” أعطيتها قبلة الحياة أم أم قبلة الموت ، إعترف أحسن لك ”
——————————-
من مجموعة (( ضحية المجتمع القصصية 1949 )) للكاتب ، مع بعض التعديل
———————-
سوري مغترب