قصة قصيرة
نزار ب. الزين*
” فرسان الليل “
” جرذانا و صبيانا “
” جرذاناً من جميع الأجناس “
” صبيانا من جميع المقاسات و الأعمار “
” للجرذان الهزيع الأول من الليل “
” و للصبيان الهزيع الأخير “
“إنهم يتكاثرون ، أعني الصبيان لا الجرذان”
” أصبحوا يشكلون عصابات “
” أصبحت لهم قيادات “
” كثيراً ما يتشجارون أو يتصارعون “
همس رياض لزوجته ، كانا يمارسان رياضة المشي في شوارع الضاحية الأنيقة ، عندما شاهدا بعض الصبية يقلبون حاوية قمامة ثم يعبثون بما فيها …
ثم أكمل متسائلاً باهتمام :
” ترى هل أن الأمر مربح إلى هذا الحد “
” أم أن الفقر تجاوز كل حد ؟ “
فأجابته مؤكدة :
” أفضل من مهنة الشحاذة على أي حال”
*****
صبي في الخامسة ، ربما أقل قليلاً أو أكثر قليلاً ،
يتشبث بكيس يحمله، بينما آخرأكبر منه يحاول إنتزاعه منه .
يضربه ، يشتمه ، و لكن الطفل ظل متشبثاً بكيسه …
يبكي ، يصرخ ، يستنجد ، و لكنه لا يزال يتشبث بكيسه .
يقترب رياض منهما ..
تناشده زوجته :
– – لا تحشر أنفك يارياض
– و لكن رياض يستمر ، يأمر الصبي الكبير بالكف عن أذى الصبي الصغير ، فيبتعد هذا شاتماً رياض و زوجته و كل من يلوذ بهما بأقذع الشتائم .
– – ألم أقل لك لا تحشر أنفك يا رياض ؟
قالت له معاتبة ؛
إلا أن رياض يتقدم من الصغير و يسأله:
– هل يفرض عليك أحد جمع العلب يا بني …؟.
– نعم – عمّو –إنه أبي ، هو عاجز ، يأمرنا أن نسرح أنا و إخوتي ، قبل فجر كل يوم لجمعها ؛ أما أمي فتحمل ما جمعناه ثم تبيعه ، لتجلب لنا بثمنه الطعام .
يهز رياض رأسه أسفاً ، بينما تعقب زوجته :
” أفضل من مهنة الشحاذة على أي حال “
ثم يكملان المشوار ..
*****
صبي آخر ، يتسلق حاوية أخرى ، إنه في قلب القمامة الآن ، ينقب بيديه الصغيرتين عن العلب الفارغة ، لا يهم إن كانت من البلاستك أو من الألَمينيم ، و لا يهم إن كانت الحاوية مليئة بالحشرات أو بالديدان أم بملايين الفيروسات و المكروبات و الطفيليات ، و لا يهم إن كانت رائحة القمامة تزكم الأنوف ، أم تخترق الخياشم إلى أعماق الدماغ ، المهم أنه كلما عثر على واحدة ، ناولها للآخر !
يتسلق الحاوية الآن من الداخل فيتعثر و لا يفلح بالخروج منها…
يحاول زميله مساعدته فلا يتمكن ….
كلاهما صغيران ، ضعيفان …..
يهرع رياض نحوهما ….
يُخرج الأول من القمامة بينما يلوذ الآخر بالفرار ….
ربما ظنه شرطيا …
تلومه زوجته
– ها أنت تحشر أنفك ثانية ، لقد لوثت ملابسك و بدأت تفوح منها رائحة المزابل ..
أجابها معارضاً :
– هل كان بوسعي أترك المسكين غارقا في القمامة ؟ ( ملعون أبو الملابس )
، ثمثم أضاف متألما :
– “يا لها من مهنة تعيسة ” ، فأجابته زوجته :
– ” أفضل من مهنة الشحاذة على أي حال ” ،
– ثم أكملا المشوار .
*****
حاوية أخرى
و صبي آخر ، في التاسعة أو العاشرة
يعثر في الحاوية على كيس مليء
يفرح
ينظر إلى محتوياته
يفرح أكثر
يتناول منه
بفرح أكبر
إنها ثمرة تين
يقربها من فمه
يتناول منها قضمة
يهرع رياض نحوه
يصرخ به منبها :
– إبصقها يا بني في الحال إنها فاسدة و سوف تقتلك إن أكلتها !
يجفل الطفل ، ينظر إلى رياض شذراً ، يبدو عليه بعض خوف …
و لكنه يتشبث بثروته الصغيرة
ثم يطلق ساقيه للرياح …
تلتفت زوجته قائلة :
– ألم أقل لك ، لا فائدة من حشر أنفك ؟!
و قبل أن تكمل جملتها ، لمحت دموعه الصامتة تنهمر !
———————–
سوري مغترب