قصة قصيرة

نزار ب. الزين*

       بعد المراجعة ربما العاشرة ، يجمع زياد أوراق مخطوطه ثم يضعها بعناية في حقيبته .

يحث زوجته على الإسراع ،

 يتجه إلى سيارته بخطى واسعة ،

 ثم…

يشغل محركها ،

ثم….

يزفر متذمرا ،

ثم…..

يهمس إلى ذاته : ” ألا ما أقبح هذا التباطؤ ..”

 ثم….

يضغط على بوق السيارة بشيء من العصبية….

تأتي مهرولة محتجة : ” فضحتنا أمام الجيران يا رجل ! “

” دوما  تتلكئين ..” يجيبها  غاضبا ، فترد  مستاءة : ”  و أنت  دوما على عجل ..ماذا  لو  تأخرنا  بضع  دقائق ؟! “

ينظر إليها شذرا ثم يقلع متجها نحو الطريق السريع …..

*****

يصل إلى الحدود .

يأمرهما مفتش الجمارك بالخروج من السيارة …

ثم ..

يأمره بفتح صندوق السيارة ….

ثم …

يأمره بفتح الحقيبة …

يقول زياد للمفتش ”  نحن خارجون و لسنا بداخلين !! “

” الخارج مثل الداخل ، في هذا الزمن  ! ” يجيبه المفتش ، و قد رسم على فمه إبتسامة ساخرة ..

تصل يده إلى ملف المخطوط …

و كمن لدغته أفعى يصيح متسائلاً : ” ما هذا يا استاذ ؟ “

يجيبه زياد : ” إنه مخطوط لكتاب ألفته ، و أنا متوجه لأقدمه لمؤسسة نشر إتفقت معها  هناك ..” مشيراً إلى الطرف الآخر من الحدود .

يحمل المفتش مخطوطة زياد و يطلب منه اللحاق به ، تحاول زوجته اللحاق بهما فيامرها المفتش بالبقاء حيث هي …..

يقرأ زياد عبارة ( مكتب المخابرات ) فوق الباب الذي قرعه مفتش الجمارك ، فيشعر ببعض القلق…

*****

يلقي ضابط المخابرات  نظرة استطلاع نحو  زياد ، ثم  يبدأ بتقليب صفحات المخطوط  ،

 ثم …

يلقي عليه نظرة أخرى بعينين حمراوين ،

ثم….

 يعود إلى تقليب المخطوط  …فيزداد زياد قلقاً …

بعد صمت طال ، و أعصاب بدأت تتلف ، يسأل ضابط المخابرات زياد بضعة أسئلة  بعصبية ، ثم يقول له بحزم : ”  أنت ستبقى معي ، سأجرى إتصالا بالعاصمة و نرى ما سيقرورنه بشأنك  ! ” .

يتحول قلق زياد إلى خوف …

ثم …

يحاول  أن يشرح للضابط طبيعة الكتاب من أنه مجرد رواية إجتماعية ، فيأمره  الضابط  بغلظة  بأن  يلزم الصمت ..

تدخل زوجته  ، يصيح بها  الضابط بعد أن فهم أنها زوجة زياد :       ” كيف تقتحمين مكتب  المخابرات  بدون  إستئذان ، يا حرمة ؟ “

ثم….

يضيف  و هو يعيد  مسرة الهاتف إلى موضعها : ” على  أي  حال أنتما موقوفان ! لقد صدر الأمر بذلك تواً  “

” موقوفان ؟ ” تصيح الزوجة مندهشة !.

يعاود زياد محاولة إفهامه بأنها مجرد رواية إجتماعية و أنه اتفق مع مؤسسة نشر في البلد المجاور على نشرها ، و أنها لاتحتوي على أية بندود سياسية  و لا تهاجم أحدا و لا تطعن بأحد  و لا تتضمن أية دعوة ثورية أو تمردية أو إنقلابية ، و لا تحرض على عصيان أو إرهاب ، و بما أن النشر سيتم في بلد آخر فإنه لم يجد داعيا لعرضها على وزارة الإعلام أو وزارة الثقافة …

يجيبه الضابط  بمزيد من الغلظة : ” لا داعي لكثرة الكلام ، أنتما موقوفان  و الكتاب مصادر ! “

تتساءل الزوجة  مستغربة (( هكذا بكل بساطة ، موقوفان ؟!..))  .

ثم تضيف ساخرة : (( و هل ضبطتَ  معنا  أسلحة  دمار  شامل  ؟  أم  كمية  من  الحشيش ؟  أم  حقيبة  ملأى  بالدولارات المزيفة ؟! ))   يصرخ الضابط في وجهها و هو يجيبها  بلهجة إستفزازية :  ((   أتسخرين  حضرتك منا ؟)) ثم يضيف و قد تملكه الغضب :((المخطوطات أقوى من أسلحة الدمار الشامل ، يا خانم  !  نعم ، تهمتكما هي تهريب مخطوط خارج البلاد يا خانم ، و التهرب من عرضه على الرقابة الحكومية يا خانم  ، و كلاهما يخالف القانون ، أما أنتِ يا خانم  فلك حساب آخر ، فأنت متهمة – إضافة إلى كل ذلك –  بتهمة إقتحام مكتب المخابرات بدون إستئذان و التهكم على موظف حكومي أثناء تأديته لعمله ! )) .

——————

*نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب