أقصوصة
نزار ب. الزين*
في موقع متميز فوق ربوة تشرف على حرج البلوط ، تربع مبنى مأوى العجزة ؛ و في الشرفة جلس الأستاذ عبد الحميد و حوله ثلة من زملائه المقيمين في المأوى .
اعتاد الأستاذ أن يلقي على مسامعهم أبياتا شعرية سواء من مؤلفاته الكثيرة أو من مقتنصات لكبار الشعراء عبر التاريخ العربي ، أو يحكي لهم مواقف طريفة صادفته إبان تبوئه مركز أستاذ محاضر في كلية الآداب ، فهو يحمل شهادة دكتوراه بآداب اللغة العربية و النقد الأدبي .
و لكن ما أن يأتي إبنه الوحيد رمزي لزيارته الشهرية حتى يتكلف الصمت أو يرد على استفساراته باقتضاب.
*****
” كيف حالك اليوم يا أبي ” يسأله ، فيجيبه أبوه :
” سئمت تكاليف الحياة فمن يعش = ثمانين حولا – لا أباً لك – يسأم “
يحتج رمزي بعينين دامعتين : ” لا سمح الله يا أبي ، لك طول العمر إن شاء الله ؛ و لكن …لماذا كلما طالعك وجهي ، تبادرني بهذا البيت من الشعر ؟ و كأنك تحملني ذنب ما آلت إليه حالتك الصحية …….
ينظر إليه الوالد بتمعن ، و لكنه لا يجيبه .
و لكن رمزي يستأنف كلامه بصوت متهدج : ” زوجتي معذورة يا أبي لم يعد بوسعها خدمتك ، أنت تعلم مدى ما تحمله الأم من مسؤوليات ، إنهم خمسة أطفال يا أبي ! “
يهز الأستاذ عبد الحميد رأسه و لكنه يستمر بصمته :
يستأنف رمزي أطروحته التبريرية قائلا : ” هي أم أولادي و قد هددتني إن ضغطت عليها أو استمررت في إجبارها على خدمتك ، فسوف تترك لي الأولاد و تمضي ، هل يرضيك أن تتفكك أسرتي يا أبي ، و أن يتشرد أطفالي ؟ “
يحاول رمزي إختطاف يد والده سعيا لتقبيلها طلبا لغفرانه ، فيأبى الأستاذ عبد الحميد – بغلظة – أن يسمح له ، ثم ينشد من جديد :
” سئمت تكاليف الحياة فمن يعش = ثمانين حولا – لا أباً لك – يسأم “
مشددا هذه المرة على عبارة ” لا أباً لك ” لك .
=======================
سوري مغترب