أقصوصة

نزار ب. الزين*

      بينما كانت العائلة متوجهة لزيارة الأهل في بلد مجاور ، تعرضت لحادث سيارة كانت ضحيته الوحيدة أم العيال .

كانت أم سالم – رحمها الله – لا تحب التقيد بحزام المقعد ، بينما التزم به  زوجها و أطفالها ،  فنجوا .

عادوا من حيث أتوا  ثكالى محزونين .

واساهم الأهل و الجيران ، إلا جارتهم العانس سعاد ، فقد أبت إلا أن تغمرهم بعطفها متطوعة لخدمتهم ، فما أن يغادر أبو سالم الدار إلى عمله ، حتى تهرع إليهم ، تجهز لهم طعام الإفطار و تعاونهم في ارتداء ملابس المدرسة ، ثم تودعهم لتلتفت إلى شؤون المنزل و كأنه منزل أبويها ..

أحبوها ، و تعلقوا بها ، و أكثروا من ذكرها أمام والدهم ..

بعد الذكرى السنوية الأولى لوفاة المرحومة أم سالم ، استشار أبو سالم  و لديه الكبيرين بشرى و سالم  في أمر زواجه من سعاد ، فهللا فرحا لنيته الحسنة هذه .

دخلت سعاد الدار سيدة لها ، و قد غمرتها و غمرت الجميع البهجة و السعادة و السرور..

في الأسبوع الأول استمرت كعادتها في رعاية الأطفال و خدمتهم …

بعد شهر واحد من تربعها على عرش البيت ،  تمكنت سعاد  من الهيمنة على قلب رب البيت ، حتى أنسته فاجعته بأم العيال !..

بعد ثلاثة أشهر من استيلائها على قلب رب البيت ، أخذت تتذمر و تشكو له تعبها و إرهاقها ، فمسؤولية تربية أربعة أطفال ليست بالهينة ..

بعد خمسة أشهر من السيطرة التامة على شؤون المنزل و الهيمنة على قلب سيده ، أقنعت سعاد أبا العيال بأن تتوقف ابنته بشرى عن الذهاب إلى المدرسة و إستمرار تعليمها ، رغم  تفوقها على أقرانها في الصف الثاني الثانوي ..

بعد ستة أشهر ، شوهدت بشرى على شرفة دارها تنشر غسيل إخوتها و هي ترتعش بردا ، بينما وقف سامر ذو التاسعة بجوارالمجلى يغسل الصحون و شقيقته ذات السابعة  إلى جانبه تجففها !..

بعد سبعة أشهر ، سكب أصغر الأطفال  ذو الخامسة ، الحساء فوق طاولة الطعام عن غير قصد ، فبادرت سعاد إلى عقابه عقابا بدنيا شديدا ، جعله يصرخ مستغيثا بإخوته ..و إذ علا صراخه أكثر ، جرته إلى الشرفة التي غمرها صقيع الشتاء ..و أقفلت بابها دونه ..

هبت بشرى لإغاثته فنالت نصيبها من الضرب و الأذى ..

و لكن بشرى دافعت عن نفسها ببسالة ، و بينما كانت مشتبكة مع زوجة أبيها ، تسلل سامر ففتح باب الشرفة لأخيه الصغير الذي كان يرتعش من البرد و الألم و الخوف ..و قد تجمدت دموعه على وجنتيه …!

و ما أن هدأت المعركة قليلا حتى هزجوا جميعا بصوت واحد وراء بشرى : ” ( مرت  الأب ) ما تنحب ,, لو حورية من الجنة “

جن جنون سعاد  و بدأت تستخدم كل طاقتها العضلية و سلاطة لسانها .. في تأديب أطفال زوجها المتمردين ، عندما دخل الوالد !

و بعد أن سمع منهم و منها ، سحب حزامه من بنطاله ..

ثم

رفعه عاليا ..

جمد الخوف الأطفال …

بال الصغير على نفسه من شدة رعبه …

بينما استمرت سعاد تحرضه عليهم ..

ثم ….

و أمام ذهولهم ..و شماتتهم

انهال الحزام على سعاد !

صرخت .. ولولت ..استغاثت بكل الأنبياء و أولياء الله الصالحين ..

ثم ….

 اتجهت نحو باب الدار هاربة ..

و إن هي تهم بالخروج ..

صرخ أبو سامر بأعلى صوته : ” أنت طالق .. طالق … طالق “

—————————–

*نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب