قصة قصيرة

نزار ب. الزين*

عندما تخرج و حصل على  مرتبة الشرف ، هلل له إخوته بنينا و بناتا فرحا و حبورا ، فقد اتجه البنون – بعد وفاة والدهم –  إلى إدارة عمله التجاري الناجح ، و اتجهت البنات إلى ممارسة طبيعتهن كزوجات و أمهات  ؛ إلا سعيد الذي أصر على دراسة الطب ثم التخصص بالطب النفسي ، و هو من التخصصات النادرة في ذلك البلد العربي ..

سرعانما تلقفه أحد المستشفيات كرئيس لجناح الأمراض العصبية و النفسية ؛ و لكنه صرح لشقيقه الأكبر أنه غير سعيد  بعمله كموظف حتى لو كان رئيس قسم ، فهذا لا يتتناسب مع طموحاته بعد كل هذه السنين من الدراسة في الخارج و التي استهلكت كل ما ورثه من المرحوم .

” ما يسعدك يا أخي ؟” تساءل الشقيق ، فأجابه سعيد ” طموحي المبدئي أن تكون لي عيادتي الخاصة أما طموحي البعيد فهو مستشفاي الخاص.”

و إن هي إلا عشرون يوما  ، حتى صارت لسعيد عيادته الخاصة ، و في أقل من سنة ، صار له بيته الخاص الذي ما لبث أن تصدرته عروسه .

نجاح يعقبه نجاح ، و لكن لا زال دون مستوى طموحاته …..

و ذات عيد و في دار الشقيق الأكبر، تصادف وجودهم جميعا  لتبادل التهاني بالمناسبة السعيدة ، الإخوة و الأخوات و الأصهار و الكنات و الأبناء صبيانا و بنات ، فطرح عليهم  فكرة مشروعه و هي    ” إنشاء مستشفى  خاص للأمراض العصبية و النفسية ” ، مبرهنا على إمكانية نجاح المشروع نجاحا باهرا ، بالعدد الكبير من المرضى الذين زاروا عيادته خلال العام الفائت ؛ ثم اضاف ، أن المشروع سيجلب زبائنا آخرين من الدول العربية الغنية ، فبدلا من إرسال مرضاهم إلى أوربا أو أمريكا ، فإنهم سيفضلون  بلدا عربيا قريبا ، ثم أضاف ، أن المشروع سيكون عبارة عن شركة عائلية مساهمة  موثقة وفق الأصول القانونية ، و ستكون لكل حصته حسب ما يملك من أسهم فيها .

قدموا كل ما يملكون ، باعوا ما تملكه زوجاتهم من مصاغ ذهبي ، حصلوا على القروض من البنوك بضمان بيوتهم و متجرهم و مصنعهم للملبوسات الجاهزة.

و بدأ بناء المستشفى يظهر ،

ثم بدأ يعلو ،

ثم أخذت التجهيزات الطبية المستوردة من الخارج تحتل أمكنتها في غرف المستشفى  ،

ثم تم توظيف طاقم الأطباء و الممرضات و الممرضين ،

ثم بدأت الدعاية للمشروع في وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية في الظهور ، محليا  و عبر الفضائيات .

و مضى عام آخر ،

عدد لا يتجاوز أصابع اليد من المرضى المحليين ، أقام أو تردد على المستشفى..

مريض واحد فقط  قدم من إحدى الدول العربية الغنية …

عجز الدكتور سعيد عن سداد أقساط قرضه للبنك ….

عجز إخوته عن سداد ما اقترضوه من البنك …

وضع البنك يده على مستشفى الدكتور سعيد …

وضع البنك يده على أملاك بقية الإخوة بنينا و بناتا بما فيها المتجر و المصنع…

تحول الأخ الأكبر إلى أجير في متجره  ..

هاجر  الأخوان الثاني و الثالث ، بحثا  عن عمل  يسد  رمق أطفالهما …

عادت الأخوات إلى شظف العيش….

أما الدكتور سعيد ، فقد تمكن من اجتياز المحنة من خلال عيادته الجديدة .

و هو اليوم يملك قصرا في أحدث ضاحية ،

و سيارة فارهة له و أخرى لزوجته ،

و خادمتان آسويتان لخدمة أسرته المتنامية عددا و ثراء…..

و من كثرة أشغاله ، لم يعد يجد الوقت حتى  لزيارة إخوته  .

——————

*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب