قصة واقعية

 نزار ب. الزين*

    راشد و مبارك صديقان حميمان منذ أيام الدراسة ، ثم أصبحا – بعد التخرج – شريكين في عمل تجاري مربح ، ثم تزوجا في الوقت ذاته تقريبا ، وسكنا في دارتين متقاربتين ، ثم ما لبثت أن أصبحت زوجتاهما صديقتين حميمتين أيضا ، ثم انتقلت الصداقة إلى الأبناء ..
فقد أنجب راشد غلاما ذكرا أسماه عبد الله و من بعده إبنتين .
و بعد سنة أو تزيد ، أنجب مبارك بنتا أسماها دلال و من بعدها غلامين .
و منذ أن كان عبد الله في التاسعة و أمه تقول : ” دلال لعبد الله و عبد الله لدلال ”
و منذ أن كانت دلال في السابعة و أمها تقول : ” دلال لعبد الله و عبد الله لدلال ”
بدأتا العبارة كمزاح ، أو كتندر على عادات بدوية قديمة …
و لكن ….
ما أن بلغ عبد الله و دلال مرحلة التحولات الجسدية ، حتى تعلق أحدهما بالآخر !

*****

و في الجامعة التقيا معا في كلية واحدة فازداد ارتباطهما و تعمقت أواصر حبهما ، كانا يلتقيان في ساعات الفراغ فيتناجيان ، و إذ يعودان إلى منزليهما يتهاتفان ..
و ذات يوم ، تهاتفه دلال فتسأله و قد شاب صوتها اضطراب و خوف ، عمّا يعرفه حول خلاف والديهما مؤخرا ، فيبسِّط لها الأمر قائلاً : ” إنها خلافات تحدث دوما بين الشركاء ، و لكن لا تنسي أنهما صديقان حميمان و أن صداقتهما ستعيد المياه إلى مجاريها وشيكا ! ”
و لكن ….المياه لم تعد إلى مجاريها أبدا .

 ففي يوم آخر ، تخبره أن الأمر يتفاقم و أن هناك محامين و مؤسسة محاسبية : ” المسألة تتضخم يا عبد الله ! ”
و بعد عدة أيام أخرى ، تخبره و هي تبكي بحرقة أن والدتها منعتها و أخويها من التعامل معه أو أختيه : ” إنها القطيعة يا عبد الله !!! ”
” أهكذا تنقلب صداقة السنين إلى عداء ؟ ” يتساءل متألما ، ثم يكمل بصوت حزين : “إنني غير مصدق لما يجري لولا أنه يجري ! ” ثم يضيف : ” إسمعي يا دلال ، أنا لن أتنازل عنك حتى لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري ” فتجيبه على الفور ” و أنا لن أتنازل عنك يا عبد الله حتى لو ذبحوني من الوريد إلى الوريد ! ”
ثم ….

تجرأ عبد الله  ذات يوم فدعاها إلى سيارته فلم تمانع ، ثم توجه بها إلى بيته ، خافت قليلا و لكنها لم تمانع ، فعائلته في زيارة الجدَّين ؛ ثم دخل بها إلى مرآب سيارته ، فلم تمانع !!! ..

*****

و تكررت – من بعد – لقاءاتهما في المرآب  ،
و لكن …..
ذات يوم قائظ ، اشتدت فيه وطأة الحر ،
شغَّل عبد الله محرك السيارة  ليتمكن من تشغيل مكيِّفها  ،
إلا أن المرآب كان مغلقا ،
فإنتشر دخان العادم ،
ثم تسرب الدخان القاتل إلى خلوتهما !!

———————————–

*نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب