قصة قصيرة واقعية
نزار ب. الزين*
(( ينساق الإنسان أحيانا ، دون شعور منه ؛ إلى ما يأباه ))
نشأ زياد في عائلة معروفة ، أنجبت عددا من التجار متوسطي الثقافة و عددا آخر من المثقفين اللامعين ؛ فكان لإسم هذه العائلة وزنه بين العائلات التقليدية في بلدته. عائلة محافظة بغير إنطواء ، و متدينة بغير تزمت ، و حرة بغير تفريط ، إضافة إلى سلوكية مثالية تتلاءم مع الجانب المشرق للإنسان العربي الساعي نحو النمو في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .
و شأن زياد شأن اؤلئك المنحدرين من الطبقة المتوسطة ، فإن دواعي طموحه ما كانت لتفتر ، حتى إذا حانت له فرصة جيدة للعمل في إحدى الدول النفطية الناهضة ، تحرك نحوها بلا إبطاء .
و صونا لأخلاقه و حرصا على راحته في الغربة و ضمانا لعودته ، أقنعه والداه بالزواج من ابنة عمته و خلال أقل من أسبوعين تم الزواج و صحبته عروسه إلى أسبوع العسل ثم إلى ديار الخليج ، و ما لبثا أن مُنحا بيتا في إحدى الضواحي النموذجية .
كل شيء في وضعهما الجديد كان يدعو للراحة و يتناسب مع عقليتهما المنفتحة ، إلا أنهما لم يتذوقا طعم الراحة قط .
أزمتان وجدانيتان عصفتا بكيان زياد و دفعته للتفكير بالإستقالة و العودة من حيث أتى ، لولا أن هدأته عروسه و أقنعته بالصبر ، فإن هي إلا سنوات قليلة يعودان بعدها إلى الوطن قادرين على شراء منزل و مزاولة عمل حرَّ كما خططا قبلا .
إحدى الأزمتين تمثلت حول معتقداته السياسية و الأخرى حول علاقاته الوظيفية .
ففي ميدان العمل أزعجه تشرذم العاملين حسب إنتماءاتهم الإقليمية و العشائرية و هو ما يخالف معتقده القومي من أن العرب كل العرب هم وحدة إنتمائية في كل زمان و مكان ، و باعتباره الوحيد من المنتمين إلى بلده فقد شعر منذ البداية أنه منبوذ من الآخرين كما شعر بتحيز رئيس عمله لفئة دون الفئات الأخرى .
أما مصاعب لمياء زوجته فكانت من لون آخر ، فالبيئة الجديدة هي إلى الريفية أقرب من حيث محدوديتها ، فهي فئة الزملاء الجيران ، حيث تتأثر زمالتهم بجيرتهم و جيرتهم بزمالتهم ، و هي بيئة التفاوت الفكري بين الرجل و المرأة ، فالمهندس متزوج بحاملة إبتدائية أو محو أمية ، و مدير المدرسة متزوج بفلاحة ، و مدير الإسكان متزوج بامرأة ذات نقاب .
و هي ايضا بيئة المتناقضات السلوكية ، حيث تعيش السيدة النظيفة إلى درجة الوسواس إلى جانب السيدة المهملة ، إلى جانب تلك المتتبعة لأحدث خيوط الأحدوثة ( المودة ) بجوار تلك التي لا زالت متمسكة بثوبها البدائي و التي لا تنزعه عن جسدها إلا كل عام ، بيئة يحكمها الجهل غالبا و يفتتها القيل و القال ، روابط سريعة النشوء لكنها سريعة الإنهيار ، مجتمع هش و علاقات سطحية ؛ و فسيفساء عربية ،أعجمية ، بدوية ، ريفية ، مدنية ربما لا مثيل لها في العالم كله .
خلطة من اللهجات بعضها يحتاج إلى ترجمان حيث تتحول القاف إلى همزة أو إلى جيم مصرية أو إلى كاف ، أو تتحول الجيم إلى ياء أو جيم مصرية و الغاء إلى ياء ، أو تتحول السين إلى زاء و الطه إلى تاء و الظه إلى ضاد و الثاء إلى سين و الذال إلى دال ؛ ثم خلطة من الملابس لا مثيل لها حتى في مهرجانات التنكر و (الهلوين ).
تلك كانت بعض منغصاتهما فكانا ما أن يجتمعا حتى يتشاكيا .
*****
قالت له ذات يوم غاضبة :
– زياد ، زارتني اليوم مجموعة من سيدات الحي و من بينهن جارتي أم حسام ، التي أهانتني في عقر داري ، بلا مبرر ، قالت مازحة و لكن بوقاحة و يبدو عن قناعة ، أننا ننحدر من مجتمع مادي ثم عززت رأيها – و هي تضحك – بمثل يبدو أنه دارج في موطنها : ” سلّم على الشامي ثم عد أصابعك ”
استطعت أن أضبط أعصابي بصعوبة حتى انصرفت و انصرفن ، إلا أنني بقيت أرتعش بعدها ساعة أو تزيد .
– أبو حسام – زوجها – زميلي ، إنسان مغرور ، كثير الحديث عن نفسه و متوهم أنه متميز عن باقي موظفي القسم ، إلا أنه و الحق يقال لم يكن في يوم وقحا أو صداميا .
– متى كنا ماديين أو لصوصا يا زياد؟ هل نحن حقا نعبد القرش يا زياد ؟!
– ربما بعضنا مادي ، فلدينا حي مثلا مشهور بالكرم و لكنه مشهور بالربا أيضا ، و لدينا حي آخر مشهور بالمادية و بالبخل ، و لدينا مدن مشهورة بالسذاجة و تؤلف حولها النكات و مدن اشتهر أهلها باللؤم ، و لكن كل ذلك خطأ ؛ إنه خطأ التعميم ، و هو خطأ تاريخي أيضا فقد اشتهر الطائيون بالكرم و الخراسانيون بالبخل و التغلبيون باللؤم و الجوابرة بالخبث و المناذرة بالعنف و المرابطون بالجرأة و المجازفة ، و لكنها جميعا آراء لا تقوم على أساس واقعي و لا يجوز تعميم صفة ما على مجتمع ما بكامله، إنه افتراء و سبب أساسي للتشرذم الذي نعانيه و الذي أءباه و يأباه كل مخلص لهذه الأمة ، فلو كان الطائيون كلهم كحاتم لانقرضت طيء منذ زمن سحيق .
أقترح عليك يا لمياء ، أن تعاتبي أم حسام و أن تؤكدي لها أن مزاحها كان جارحا و أن تشرحي لها بهدوء كل تلك الحقائق التي تحدثنا عنها الآن ، و أن تؤكدي لها أيضا إحترامك لكل الناس مهما اختلفت مشاربهم و مهما كانت أصولهم .
– أنت دوما تفلسف الأمور ، و تخلق للناس أعذارا .
– أنا لم أجئ هنا لأحارب بل لأسترزق .
– أم حسام أهانتني يا زياد و يجب أن تخاطب زوجها طالما أنه زميلك .
– صدقيني أنها لا تقصد إهانة إنما تحفظ مثلا سمعته و هي تردده كالببغاء في إشارة غريزية إلى أن المجتمع الذي تنحدر منه أفضل من غيره ، نوع من غرور الإنتماء ، و الشعر الجاهلي مليء بمثل هذه الأمور . أما زوجها فإنني لا أخاطبه عادة إلا ضمن ضروريات العمل .
– تتباهى على حساب كرامتي ؟
– التباهي يقوم بوظيفة سيكولوجية مهمة هي ترقيع الشخصية المهترئة ؛ زوجها كذلك من طينتها ، دائم الحديث عن نفسه ، عن عصاميته و عن تفوقه المزعوم طيلة مراحل دراسته ، و عن عائلته العريقة ، و زوجته التي لم تخرج يوما عن طاعته ، و عن تربية أولاده المثالية .
– سمعت أحد أبنائه يشتم أمه و رأيت إبنه الآخر يلقي عليها حجرا.
هنا ضحك زياد كما لم يضحك من قبل و ما لبثت لمياء أن شاركته الضحك .
ثم عقب و هو لا زال يضحك :
-أتتجسسين يا لمياء على جارتك ؟
فأجابته جادّة :
– بيننا و بينهم جدار ضعيف و بين حديقتنا و حديقتهم سور أضعف ، ثم إن صراخهم و ضجتهم لا يحتاجان إلى تجسس ، إنهم يفكرون صارخين كبارهم قبل صغارهم ، بالمناسبة فقد فتح هؤلاء العفاريت ثغرة في السور .
– لقد فتح أبو حسام و بعض من بني جلدته ثغرة أوسع في حصننا القومي ، إنها الثغرة القبلية يبعثونها من التاريخ أو أنها لا زالت باقية غير منظورة رغم تطور التاريخ .
و ليت لتكتلهم هدف ، انا أفهم أنه في دوائر الخدمات قد يكون للتكتل هدف هو في الغالب غير شريف ، أما في دائرة أبحاث كدائرتنا فعلام التكتل و إلام يهدف ؟
إنني أعاني يا لمياء ، من أبو حسام و أمثاله معاناة حقيقية ، فإذا نشطتُ عادوني و أحبطوني ، و إن اكتشفت خللا أو لاحظت خطلا جابهوني بحرب ضروس و كأن الأمر شخصي ، و إن حاولت التقرب منهم لإقناعهم بحسن نيتي تجاهلوني .
– مناخ مقرف !
– و مع ذلك سوف نتحداه و نتكيف معه .
هل تذكرين أيام عسلنا الثلاثة في منتجع الحِمّة ؟
أجابته و هي تبتسم برقة :
– طعم العسل لا زال تحت لساني .
– لحظة وصولنا هناك سددت أنفك تقززا من رائحة الكبريت التي شبهتها برائحة البيض الفاسد ، و لكن بعد أقل من خمس دقائق لم تعودي تتذمرين ، أتذكرين ؟
– فهمت قصدك يا زياد .
– حتى مع أسوأ الظروف يمكن للمرء أن يتكيف .
– لم يكن هذا رأيك عندما وصلنا هنا ، ألم تفكر جديا بالعودة ، و أنا من عارضك ؟
– و هل غيرتِ رأيك بعد غمزة أم حسام ؟
– إنه وضع صعب يا زياد ، هذا النوع من الزيارات الفارغة لم أعتد عليه ، هذه الفوضى فوق طاقتي ، هذه تجر أطفالها معها فتقضي و قتها تنهر هذا و تضرب ذاك دون أن تكلف نفسها التحرك من مقعدها ، و تلك تتحدث عن ساعاتها الطويلة التي تقضيها في إملاء زجاجت الماء و رصها في الثلاجة و التي سرعانما تفرغ من جديد في أفواه قبيلتها المكونة من ثمانية أطفال بين بنين و بنات ؛ و ثالثة تنبري للدفاع عن وصفة شعبية لشفاء سكري الأطفال الذي يعاني منه إبن جارتها ، و رابعة تسترسل في البوح عن مشاكلها مع زوجها و تهديده لها باستمرار بالطلاق ، و خامسة تلمح إلى شكوكها بأخلاق إحدى معارفها ، و سادسة تنقب عن الحظوظ و تكشف المستقبل من خلال ثمالات فناجين القهوة العالقة على بطاناتها ، و سا بعة و ثامنة ، إنها إجتماعات مقرفة أفضل ألف مرة أن أطالع كتابا على أن أحضرها ، و لكنهن يحرجنني بزياراتهن المفاجئة و بعتابهن المستمر حول تقصيري برد زيارتهن .
– مجتمع الأميات أو الناكصات إلى الأمية في بلدنا لا يقل تفاهة عما تحدثت ، و لكن نشوءك في بيئة ثقافية جعلك بعيدة عن هذا النوع من التخلف .
– كأنك عايشت مثل هذا من قبل .
– أبدا و لكنني أقرأ كثيرا ، و لا تنسي أنني مولع بالعلوم الإنسانية مذ كنت في المرحلة التعليمية المتوسطة .
إصغي إلى حادثة جرت لي منذ مدة قريبة :
قدمت دراسة متكاملة عن إحدى المشكلات البارزة إلى مديري ، فوضعها في درج مكتبه ، و بعد أيام سألته عن رأيه فيها ، فصارحني أنه لم يطالعها بعد ، مع العلم أنه عندما طلبها منه المسؤولون ، أعطوها صفة الإستعجال ، ثم ألححت في طلبي ، فقد استنفذت الدراسة مني مجهودا كبيرا ، و بدأت أشك أنه ربما سينسبها إلى غيري ، و لما سألته اليوم عنها صاح في وجهي ناهرا : ” دراستك كلها أخطاء إملائية يا أستاذ و خطك أسوأ من خط الأطباء ”
إلا أنه لم يذكر شيئا عن المضمون أو النتائج المستخلصة أو خطة علاج المشكلة ، و لما عدت أشكو ضياع جهدي لأحد زملائي ، قدم لي النصيحة التالية التي إكتشفت أنها دستور البيرقراطية غير المكتوب : ” إعمل كثيرا تخطئ كثيرا ، إعمل قليلا تخطئ قليلا ، لا تعمل لن تخطئ أبدا ! ”
– هذه دعوة إلى الخمول !
– للخمول قاعدة أخرى قدمها لي ناصح آخر : ” تمسكن حتى تتمكن ثم الشطاره بالقطاره !”
– ألا تبلغ مثل هذه الأمور أسماع المسؤولين ؟
– لهذا الأمر قاعدة أيضا حدثني عنها خبير آخر : ” إذا لمّعت القشور بضاعتك لا تبور ” .
– هذه دعوة سافرة للغش
– هذا مايسمونه بالفساد الوظيفي .
يبذل بعض الموظفين حتى ماء الوجه أحيانا لإرضاء رئيسهم، لأن مصيرهم و أسرهم بين يديه بقوة سلاح إسمه التقرير السري ، أما هو فإن كل همه إخفاء مشكلات دائرته و أخطاء موظفيها و صراعاتهم ، ، للحفاظ على إسمه كمدير ناجح فهو يسعى على الدوام لأن تبقى القشرة لامعة و لا يهم فساد المضمون .
– هذا المناخ لا يصلح لغير المنافقين ، ثم تحدثني عن التكيف ؟ فلنكمل سنتنا يا رجل و لنعد إلى ديارنا فهي أولى بجهودك !
-لم يكن هذا رأيك في البداية يا لمياء ، أتذكرين ؟
*****
و استطاع زياد مع الزمن أن يفرض شخصيته ، و أن يكسب ثقة الجميع من حوله بحياد بين صراعاتهم و إمتياز بأدائه المهني ، فحاز- بعد عناء – على رضا رئيسه بينما ظلت علاقته بأبي حسام على حالها من الجفاء فما لبث أن تجاهله .
أما أم حسام و التي كانت تتزعم سيدات الحي بحكم أنها أكبرهن سنا، فقد أخذت تتحرق غيظا كلما خطت لمياء خطوة جديدة في نجاحاتها الإجتماعية ، و خاصة عندما بدأت بعضهن بزيارتها متجاوزات سلطان جارتها أم حسام ، فقد كانت لمياء عطّاءة ، تساعد كل من يقصدها كخياطة متمكنةو طباخة ماهرة ، فبدأت أم حسام تغزل حولها الأراجيف و تتجسس على حركاتها و سكناتها مما دفعها للإصطدام بها مرارا.
و كانت أول زفرة إرتياح إنطلقت من صدر أم حسام الموغر حقدا ، يوم أن قرر زياد و زوجته تغيير سكنهما ، فقد صدر قرار حكومي مجحف دَمجَ العلاوة العائلية بعلاوة الإسكان تحت مسمى العلاوة الإجتماعية و مصادرتها جميعا ممن ينتفع بسكن حكومي فآثرا مع آخرين استئجار شقق سكنية في منطقة مجاورة أقل أجرة .
*****
ثم حدث ما لم يكن بالحسبان ففي مطلع عام مشؤوم أحيل رئيس القسم على التقاعد و حل محله أبو حسام بحكم الأقدمية الوظيفية ، فأدت إلى دورة جديدة من المنغصات ، فقد بادره الرجل بالإهمال حتى أنه لم يعد يكلفه بأي مشروع ، و إن خاطبه فبتعال و تكبر ، و لكن عندما سحب منه أكثر أعماله و صلاحياته ليحّملها لزميل آخر ، ثارت ثائرته ثم كتب إلى هيئة التفتيش شاكيا ، و لما كان النظام البرقراطي يقضي ألا تصدر أية رسائل إلا عن طريق الرئيس المباشر ، فقد أرسل هذا الوسطاء : و على طريقة بني يعرب تم تقبيل اللحى و بسط صواني الكنافة النابلسية ، و سرعانما تحولت العلاقة بينهما أفضل مما كانت في أي يوم مضى أو هكذا ظن .
*****
و ذات يوم إستأذن زياد ليصحب زوجته إلى طبيب نسائي ، فهي حامل بعد تأخر زاد عن السنوات الثلاث ، فمنحه الإذن بلا تردد و أمام هذا اللطف و الإنسانية و تحت تأثير فرحته بالحدث السعيد مقرونا بارتياحه الكبير لتحسن علاقته برئيسه ، وجد نفسه يسأله بود كبير :
– ربما أعرِّج على سوق الخضار المركزي فهل ترغب أن أحضر لك شيئا من هناك ؟ :
فأجابه الرئيس بود أكبر :
– هذا كرم منك أثمنه عاليا ، فقط صندوق برتقال ، لو سمحت .
فابتسم زياد و هو يجيبه :
– تٌكرم يا أبو حسام ، و لكن ربما أتأخر فلا أجدك في الدائرة .
– إذا شعرت أنك ستتأخر اصرف النظر عن الموضوع.
فدبت النخوة بزياد ، فأجاله :
– و( لو) يا أبو حسام ، إذا تأخرت فسوف أوصله إلى بيتك .
و ما أن أدار زياد ظهره حتى رفع أبو حسام مسرة الهاتف ثم تبادل مع زوجته الحديث المبهج التالي:
– آلو .. أم حسام ، صاحبنا المغرور صار خادما ينتظر إشارتي منذ اليوم ، و سأجعله يلعق حذائي قريبا !
– لعلك تقصد زياد زوج المغضوبة لمياء ؟
– هو بعينه ، و سيحمل إليك صندوق برتقال و يضعه بين قدميك .
– أنت متأكد ؟
– متأكد 100% و سيقول لك بعد اليوم” شبيكِ لبيكِ عبدكِ بين يديكِ ”
*****
عاد زياد و لمياء من رحلتهما إلى العاصمة متأخرين ،و لكن السعادة كانت تغمرهما معا ، فقد تثبَّت الحمل ، و الجنين و أمه في صحة جيدة .
أوصلها إلى المنزل ثم انطلق نحو دار أبو حسام .
ما أن قرع الباب حتى خرجت أم حسام و من ورائها كل أولادها فرحبت به و هنأته بحمل زوجته
سألها ” أين أبو حسام ؟” فأجابته : ” في القهوة على الأرجح !”
و بينما كان يخرج صندوق البرتقال من حقيبة السيارة ، دفعت أحد أبنائها ليستدعي إحدى جاراتها ثم دفعت الثاني ليستدعي أخرى ، و إن هي إلا ثوان حتى تجمعت جارات الأمس بعضهن مذهولات و بعضهن يبتسمن بخبث ، و لكنه بكل طيبة ألقى عليهن جميعا التحية و تقبل تهانيهن شاكرا ثم انصرف .
*****
و بعد أقل من أسبوع افتعل أحد زملائه شجارا معه ، فاحتكما لدى الرئيس
صاح الزميل في حُمّى النقاش :
-أنت مغرور يا زياد !
فرد عليه زياد غاضبا :
-و أنت منافق ، و الكل يعلم ذلك .
هنا تنحنح أبو حسام و نطق بهدوء و روية و تركيز ، موجها كلامه لزياد :
– أنت آخر من يتكلم عن النفاق يا أستاذ !
*****
هنا فقط ، أدرك زياد جسامة غلطته فغرق في خزيه ، ثم انسحب من الجلسة مهزوما و شاعرا للمرة الأولى في حياته أنه تورط بكل سذاجة مع النفاق .
————————–
سوري مغترب