قصة قصيرة

نزار ب. الزين*

  بينما  كان  العروسان يدخلان إلى غرفتهما في بيت عائلة العريس الكبير ، كانت بعض  النساء من العائلتين يتوجهن إلى غرفة مجاورة ، أما الرجال المقربون من الطرفين ، فقد جلسوا في صالة الضيوف ..

و رغم ظهور التعب على كبار السن منهم ، و النعاس على أكثرهم ، فقد جلسوا يتسامرون ، للتغلب على بطء الزمن … 

كانوا جميعا متلهفين لسماع النبا السعيد …

و لكن ..

و على حين غرة سمعوا صياحا و عويلا آت من هناك..

صعقوا جميعا …

اقتربت الوالدتان  من الباب أكثر….

اقتربت بعض النسوة و بعض الرجال ، و قد أصابهم الذهول …

هل أصاب أحدهما  مكروه ؟؟

أخذوا يتساءلون … متهامسين ..!

ألصقت الوالدتان  أذنيهما بالباب ….

العريس يشتم عروسه …

   العريس يصفع عروسه ..

   رنات راحة كفه فوق جلد عروسه الغض أقوى من ضربات الدف الذي كان يقرع قبل أقل من ساعة ….

العروس تولول .. تستغيث ..

تقرع أم العريس الباب متسائلة : ( تحسين ، ما الحكاية يا روح أمك ؟ طوِّل بالك برضايي عليك !..)  و لكن المعركة غير المتكافئة لا زالت مستعرة  …

استغاثات العروس تبلغ عنان السماء …

صياح العروس يتحول  إلى نباح كلب جريح …و أم العروس مرتبكة محتارة عاجزة عن التصرف ..

 ثم سمعوا زئير العريس  و هو يهدد و يتوعد ، ردا على نداءات أمه : “سأذبحها و أشرب من دمها ! “

عند هذه العبارة لم تتمالك والدتها صبرا فدفعت الباب بيديها الإثنتين و اقتحمت الغرفة ، لتجد ابنتها محشورة في إحدى زوايا الغرفة شبه عارية و قد غطت دماؤها معظم جسدها …

أما العريس فقد توقف عن استعمال يده ، فهو يحمل الآن حزامه الجلدي و يهوي به فوق كل بقعة من جسم عروسه..

انقضت والدتها عليه ، فأمسكت بتلابيبه و أخذت تدفعه عنها بكل ما أوتيت من قوة  و هي تسأله :” بأي حق تعامل بنت الناس على هذا النحو ؟ “.

” بنت الناس ؟ ” أجابها متهكما ، ثم أضاف صارخا بأعلى صوته….” إبنتك يا سيدة يا محترمة ليست عذراء!..”

تولول والدته : ” يا لفضيحتك يا أم تحسين…”

تولول والدتها : ” يا لفضيحتك يا أم شريف ..”

يقتحم  شقيقا العريس الغرفة غاضبين صائحين : ” سنعاونك بذبحها يا أخي !..”

تتقدم أم العروس من ابنتها ، تمسك بشعرها ، فتشده بشراسة ، ثم تصيح في وجهها : ” ما الذي أسمعه يا كلبة ؟..!!..”

تصيح نهلة ، العروس المنكوبة ، بأعلى صوتها المبحوح : ” و الله يا أمي لم يمسسني بشر قبل تحسين… و الله .. والله يا ناس لم أعرف رجلا قبل تحسين ..هذا ظلم …ظلم .. ظلم ! “

ترفع والدتها يدها عن شعرها  ..

تعيد تسويته …

تستر عريها  بغطاء السرير ..

تقف في مواجهة الجميع :

” لن يقترب منها أحد إلا فوق جثتي ، سنصحبها منذ صباح الغد أنا و أم تحسين ، ليفحصها الطبيب ، فإن ثبت أنها خاطئة ، سأذبحها  بيدي  هتين …. و أفترض  أن  ربها  لم يخلقها ..”

تجادلت النساء ..تصايحن ..و كدن يتضاربن ..

تجادل الرجال …تصايحوا و كادوا يتقتتلون ..

و لكن عقلاء الطرفين أيدوا موقف أم شريف ..

فتركوها و ابنتها في الحجرة ، بينما جروا العريس رغما عنه إلى غرفة أخرى و هو لا يزال يهدد بالويل و الثبور و عظائم الأمور ….

*****

خذيني من هنا يا أمي ..

ألست ابنتك الأثيرة يا أمي ..

خذيني من هنا و إلا أحرقت نفسي ..

لن أبقَ في هذا البيت لحظة واحدة …

ثم تضيف و هي لا زالت ترتجف رعبا و ألما :

 كل شيء كان يسير على ما يرام ..

كان لطيفا للغاية .. كان في غاية الرقة ..

كنت خائفة بدايةً .. فهدأني بلسان طلي ينطق شهدا ..

و ما أن  زال  خوفي  و بدأت  أنسجم  معه ..حتى هب واقفا كمن لدغته أفعى ، و قد انقلب وجهه إلى شيطان رجيم ..

” أنت لست عذراء .. أنت فاسدة ..أنت غشاشة و أهلك غشوني بك !..” أجبته بكل براءة :  ” بأي حق تنعتني بهذه الصفات ؟.. ”  فكان جوابه : ” أنت أيضا وقحة!.. ” ، و ابتدأ يصفعني بكلتا يديه ؛ قاومته ، فأخذ يركلني بقدميه ..

” كاد يقتلني يا أمي ..

 انقلب إلى وحش ضارٍ يا أمي …

ثم ابتدأ ينهش جلدي بحزامه يا أمي …

خذيني من هنا في الحال يا أمي …

أين شقيقيَّ ؟ لماذا تركاه يعذبني ؟..

لماذا لم ينجداني عندما استغثت بهما ؟…

لو كان أبي حيا هل كان سيسمح بأن تعذب ابنته ؟

لو كان حيا لما سمح له بأن يمس مني شعرة ..

لم يعد لي غيرك يا أمي ينقذني من من شره و شر من حوله …

(أبْوس) رجلك يا أمي…خذيني بعيدا عن هذا الجحيم ..! “

كانت تتكلم و هي مجهشة بالبكاء ، فبذلت الأم جهدا مضنيا  لتهدئتها :      

“الصباح رباح يا بنيتي ، و ما أن يسطع ضوء النهار حتى نغادر..

أما أخواك فلا تلوميهما فهما لا زالا صغيرين.. “

*****

شرحت لهما الطبيبة وضع نهلة : ” إنها حالة نادرة ، تمثل نسبة ضئيلة من الفتيات ، يختلف فيها غشاء بكارتهن عن غيرهن ، و يسمى هذا النوع بالغشاء المطاطي الذي لا يزول إلا عند الولادة ؛ الفتاة نظيفة ، و بكارتها لا زالت موجودة ، و ما فعله بها عريسها … حرام … حرام … حرام …فهي تحتاج إلى أكثر من شهر لتبرأ جراحها  و كدماتها …و أشهرا  و ربما سنوات لتبرا نفسها ! ” .

تزغرد أم شريف ..

يعلم شريف ذو الرابعة عشر بالنتيجة…

يتوجه مع شقيقه الأصغر – و قد استُفِزَّت نخوتهما رغم صغر سنهما –  يرافقه  أبناء عمومته الذين اشتعل غضبهم لدى سماعهم بما حدث ، يتوجهون جميعا إلى دار العريس ،  فيشتبكون معه و مع شقيقيه و أبناء عمومته بعراك  كاد يتطور إلى مذبحة ، لولا تدخل أبو تحسين في الوقت المناسب ، و اعترافه على رؤوس الأشهاد ، بأن ولده تحسين كان متسرعا و أنه ارتكب خطأ جسيما ، و أن نهلة أشرف من الشرف ، و أنه يعتذر إليها و إلى أهلها ، و مستعد لأية ترضية يفرضونها عليه.

*****

 عندما قدمت أم تحسين محملة بالهدايا في محاولة لإقناع نهلة بالعودة إلى عش الزوجية ؛ أحضرت نهلة ثوب زفافها و أمام الوالدتين مزقته إربا إربا ،  ثم حملت الهدايا واحدة بعد واحدة  فبعثرتها أمام باب الخروج ؛ معلنة رفضها القاطع ، أن تتقهقر إلى العصور الحجرية ، و العودة إلى كهف الوحوش . ! 

——————————-

*نزار بهاء الدين الزين

 سوري مغترب