قصة قصيرة

نزار ب. الزين*

       راشد أفندي هو سكرتير المحامي الأستاذ عبد الباقي الحموي و فيما عدا ساعي المكتب السِد حامد ، فهو موظفه الرئيسي ، مدير المكتب للشؤون الإدارية و المالية الصالح لجميع المهام بما فيها تسجيل الدعاوى و متابعاتها الإجرائية و تنظيم مقابلات الزبائن و حتى المشاركة في مساومتهم حول الأتعاب .
و في غياب الأستاذ في المحاكم لأداء مرافعاته ، فإن راشد أفندي  يقوم عن جدارة بمقابلة الزبائن و مناقشتهم حول دعاواهم و ما تم في شأنها .
تعرَّف على سليم أفندي …
و سليم أفندي هذا  ( عرضحالجي ) أي كاتب عرائض ،  يتخذ من الشارع مكتبه ، طاولة صغيرة يمكن طيها ، و كرسيين من القش ، و بضعة أوراق على كل منها الطابع المالي المناسب ، يجلس على الرصيف المجاور( لدائرة النفوس) أي دائرة الأحوال الشخصية ، حيث يكتب للأميين عرائضهم و شكاواهم ، و إضافة إلى ذلك فإنه يبيع الطوابع المالية ، و استمارات الطلبات لمن يستطيع الكتابة .
اتفقا على منحه نسبة مئوية من أجور كل دعوى ترد إلى المكتب عن طريقه ، فكثيرا ما كان سليم أفندي  ينصح زبائنه و كثيرا ما كانوا يستجيبون لنصحه ؛ و رويدا رويدا توطدت العلاقة بين راشد و سليم ، و بدءا يتناولان بعض الدعاوى من وراء ظهر الأستاذ و في مكتبه أثناء غيابه في المحاكم ، سليم أفندي  يعرِّفه على الزبون ، و راشد أفندي يشرح له الإجراءات التي تتطلبها الدعوى ، ويتفق معه على التكاليف و الأتعاب ، ثم يمرر الدعوى لمحام حديث التخرج ، ثم  توزع الأتعاب بين ثلاثتهم بالتساوي ، الثلث لكل منهم .

 
*****

في مساء صيفي لاهب …
و بينما كانت ندوة ألأستاذ الصيفية مساء كل خميس ، مع أصدقائه المقربين ، محتدمة…
و بينما  كان الصحافي الأستاذ رمزي يدلي بما لديه  من  أخبار  حول  مستجدات  القضية الفلسطينية ….
و بينما كان حامد  عائداً إلى المكتب حاملاً  ( دلو  عرقسوس ) لإرواء ظمأ ألأستاذ و صحبه ….
سمع حامد حفيفا وراءه ، إلتفت ، و إذا بسيدة تتبعه ثم تسأله :
– أليس هذا مكتب المحامي راشد العريض ؟          

– بل مكتب الأستاذ عبد الباقي الحموي ، راشد أفندي سكرتيره ؛ أجابها مصححاً ، و لكنه فوجئ حين سمعها تقول بغضب شديد :
 – هذا النصاب ، سوف أفضحه  و ( أشرشحه ) ، أين هو الآن ؟   فأجابها بهدوء :
 – يا أختي ،انتهى وقت العمل ، تفضلي غداً صباحا لو سمحت .
و لكن السيدة دفعته جانباً ، فانسفح ( سطل ) العرقسوس  بما فيه ، و دون أن تأبه لإحتجاجاته واصلت صعودها ، ثم  اقتحمت المجلس …
ثم  ما أن لمحت راشد… حتى  توجهت فورا  نحوه   ..
ثم أمسكت بتلابيبه ، أمام ذهول الحاضرين ، و بدأت تكيل له الضربات و هي تصرخ بانفعال شديد :
 – أعد إليَّ مالي يا نصاب ، أعد إليَّ أملاكي  يا حرامي ، و إلا فسأجعل حياتك جحيما …و سأحولك إلى أضحوكة بين الناس ..
كان راشد في تلك اللحظة ينتفض كعصفور وقع بين براثن قط  …
ثم بدأ يستغيث :
 – ياناس .هذه المرأة ( تتبلانى ) و تفتري عليّ  ،أنا لا أعرفها و ( ما لها شي ) عندي ….هذه المرأة مجنونة …. أبعدوها عني … تكاد تخنقني ….! .
و لكنها استمرت تشده من ربطة عنقه بينما كانت تكيل له الضربات بيدها الأخرى ، و هي تجيبه بصوتها الحاد :
– أنا مجنونة يا إبن الحرام ؟
ثم التفتت ، نحو الحضور مكملة :
 – هذا الجبان ، ( علقة ) في ثوب أفندي ، هو في حقيقته صياد الوارثات من الأرامل و المطلقات ؛ يمتص دماءهن تماماً كالعلق ثم يرميهن كما رماني .

ثم أردفت باكية :
هذا( الحشرة ) لا يستحق أن يكون بين ( أوادم ) مثلكم  يا أفندية…

      
*****

بعد يومين التقى راشد بسليم فدار بينهما الحوار التالي :
  – المجنونة ، هاجمتني في المكتب و بحضور الأستاذ و أصدقائه ..
 – فضيحة  ، يا راشد أفندي ، كانت تتعرض لك في الشارع فتهرب منها ، و لكن هذه المرة صادتك  حيث لم يكن من مهرب ( الله يجيب العواقب سليمة ) .
 – لن تكون العواقب سليمة ، يا سليم أفندي ؛ فالأستاذ بدأ يطرح عليَّ الأسئلة ..
 – و لا يهمك ، لقد أصبحتَ ( مليئاَ) يا راشد أفندي ..ربما أغنى من الأستاذ  ذاته..
 – و السمعة يا سليم أفندي ؟
 –  الصراحة ( لا تواخذني بهذ العبارة )، أنت لم تحسن التصرف معها  يا راشد أفندي ؛ كان عليك أن ترضيها بقليل من النقود ، فتكف بلاءها عنك !
 – ( ما لها عندي شي ) ! و لم و لن  تتمكن  من إثبات شيء ضدي ؛ حتى زواجي منها كان صوريا..ألستَ من عقد لنا يا سليم أفندي ؟
ثم أضاف بعد أن جفف عرقه ، و على فمه ابتسامة شاحبة :
 – على كل حال ، تمكنت بمساعدة  الملازم علاء دين بك  من إرسالها  إلى ( القصير ) حيث مستشفى الأمراض العقلية
 – و لكن لِمَ طلقتها يا راشد أفندي ، بينما لم تطلق الأخريات ؟
– لديها رائحة فم كريهة يا سليم أفندي !  

——————————-

*نزار بهاء الدين الزين

 سوري مغترب