قصة قصيرة
نزار ب. الزين *
تعرف عليها في بلد خليجي ، تزوجها ، ثم صحبها معه إلى بلده ، كانت تعمل كسكرتيرة في إحدى الشركات الكبرى ، و كان يعمل مراسلا في نفس الشركة ، كانت متفوقة عليه علميا فهي تحمل شهادة جامعية ، أما هو فلم يتعد المرحلة المتوسطة ، و لكنه يحمل في الوقت نفسه ذكاء متقدا و على الأخص ذكاء إجتماعيا ، جعله محل ثقة رؤسائه في الشركة و ثقة كل من تعامل معه من المسؤولين باسم الشركة .
عاد إلى بلده يحمل هذه الخبرات إضافة إلى مبلغ جيد من المال تمكن من توظيفهما في الحال بافتتاح مقهى ناجحا وسط مدينته السياحية الصغيرة ، سرعانما جذب إليه كبار موظفي المدينة بدءا من رئيس المخفر إلى قاضيها إلى معلميها و حتى أصغر شرطي فيها .
كان يعرف تماما كيف يرضيهم ، و اين و متى يعفيهم من ثمن مشروباتهم ، و أين و متى يقدم لأحدهم الشيشة ( الأرغيلة ) بالتبغ المعسل و هو أقصى ما يمتلكه من تكريم .
كان يدير عمله بنفسه و يشرف على كل كبيرة و صغيرة و قد زين وجهه بابتسامة عريضة دائمة ، فأحبه عماله و زبائنه و كل من تعرف عليه ، و أصبح مقهاه دائم الإزدحام و في جميع المواسم .
*****
و على العكس من ذلك تماما كان سلوكه في بيته ، فقد منع زوجته من الإستفادة من شهادتها الجامعية و خبراتها الوظيفية ، و منعها من الخروج من المنزل أو إقامة أي صلة مع الناس .
و هو بذلك يستغل بعدها عن أهلها و صعوبة وصولهم إليها أو وصولها إليهم .
يصرف على الطعام بسخاء ، و لكنه لا يؤمن بضرورة تجديد الملابس ، ولا يؤمن كذلك بالاحتياجات النسائية كأدوات الزينة أو العطور ، هذه كلها توافه – بنظره – لا يحبها و لا يسمح بصرف درهم واحد على أي منها .
أنجبت له ثلاثة أطفال ، كان يعاملهم بمنتهى القسوة و يعاقبهم لأتفه الأخطاء ، و إن حاولت الدفاع عن أي منهم ، يصب جام غضبه عليها بلسانه البذيء بداية ثم بيده أحيانا .
ثم بدأ يحملها مسؤولية أي تقصير مدرسي يصدر عن أولاده فيعاقبها تماما كما يعاقبهم .
يخلع حزام بنطاله و يبدأ بجلدها أولا ، ثم بجلد المذنب من الأطفال ، تستغيث ، تستنجد ، فلا من مغيث و لا من منجد !
الجيران يسمعون صياحها و لكنهم لا يتدخلون ،
يصغون إلى استغاثاتها باهتمام و لكنهم يتجمدون عجزا ،
قد تتوقف اللقم في حلوقهم إشفاقا ،
قد تزرف نساؤهم الدموع بصمت ،
و لكن ليس أكثر من ذلك .!..
*****
و ذات يوم وردها كتاب من شقيقتها .
لقد توفي الوالد
و خلف لهما منزلا ، باعته و دعتها للحضور لاستلام حصتها .
رفض الزوج السماح لها بالسفر !
أجبرها على كتابة توكيل له ، ثم سافر بنفسه .
قبض النقود ،
و لما عاد وضعها في حسابه !.
تجرأت فاعترضت :
– هذه نقودي يا رجل ، بأي حق تستولي عليها ؟
فخلع حزامه و بدأ بجلدها ..
و لكنها قاومته هذه المرة …
عضته من يده فأدمتها …
تناولت المقلاة و ضربته بها فآلمته ..
ثارت ثائرته ..
أمسكها من شعرها ..
و بدأ يضرب رأسها بالجدار ..
استثار المنظر أطفالها ..
فبدؤوا يلقون عليه ما تطاله أياديهم ..
أنقض على كبيرهم فكسر يده !
و دفع ابنته فوقعت أرضا و شج رأسها ..
و عندما أصيبت الزوجة بالإغماء ..
و عندما ازداد صراخ الأطفال و عويلهم ..
و تفاقمت ثورتهم ..
غادر المنزل مهددا متوعدا .
ثم عاد إلى المقهى يوزع إبتساماته .
أما الجيران فكانوا يسمعون صياحها و صراخ أطفالها و لكنهم لا يتدخلون ،
يصغون إلى استغاثاتها باهتمام و لكنهم يتجمدون عجزا ،
قد تتوقف اللقم في حلوقهم ،
قد تزرف نساؤهم الدموع بصمت ،
و لكن ليس أكثر من ذلك !
فقد كُمّت أفواههن ! …
*****
تجرأت جِنان – و هذا هو اسمها – و غادرت المنزل متوجهة إلى المستشفى .
عالجوا جراحها ..
صوروا دماغها …
أكد الطبيب أنها مصابة بكسور بالدماغ و بارتجاج في المخ ..
عالجوا كسور ابنها ..
و جروح ابنتيها ..
ثم كتبوا تقريرا بالواقعة ،
و قعه المدير ،
تمهيدا لرفعه إلى النيابة العامة .
*****
حضر مشاري – و هذا هو اسمه – بصحبة أحد كبار المتنفذين إلى المستشفى .
ناقشا مدير المستشفى طويلا ..
ضغطا عليه كثيرا ..
فوافق – تحت الضغوط – على السماح بخروج المصابين على مسؤوليتهم (!)..
و تحت الضغوط سلم مشاري و صاحبه تقريره ، فمزقاه أمام عينيه ..
ثم أمر مشاري أفراد عائلته بالعودة إلى المنزل مرغمين ..
و في اليوم التالي أسلمت جِنان روحها إلى باريها ..
و خرج مشاري من جريمته كما تخرج الشعرة من العجين !!!!!
*****
أما الجيران فضرب كل كفا على كف ..
و هزوا رؤوسهم تعجبا و أسفا و أسى …
توقفت اللقم في حلوقهم هلعا و ولها ..
و زرفت نساؤهم الدموع …
و لكن مُنعن من التعبير أكثر من ذلك …
——————————-
سوري مغترب