قصة بقلم : نزار ب. الزين*

ترجمها إلى الإنكليزية : د. دنحا كركيس

  هكذا كنت مع أهلي

أنثى ضعيفة لا تملك أية حقوق

و هكذا كانت أمي من قبلي

أنثى ضعيفة لا تملك أية حقوق

و هكذا استمريت بعد أن تزوجت

أنثى ضعيفة لا تملك أية حقوق

إلى أن انبثقت شعلة التمرد من أعماق أعماقي !

ولدتُ في مقاطعة البرتقال من توابع كاليفورنيا …

و تعلمت في مدارسها حتى بلغت المرحلة الثانوية ، حين منعني والدي من إتمام دراستي  ، خوفا عليَّ من  فساد المجتمع الأمريكي و إباحيته  ، على الرغم من أنني كنت من المتفوقات و سجلاتي المدرسية كانت مليئة بعبارات الثناء ،إضافة إلى عدد من شهادات التقدير.

هكذا أصدر والدي قراره تعسفا ، و لم تحاول والدتي بشخصيتها السلبية أن تعارضه أو تناقشه ، أما انا فقد حاولت فكان نصيبي صفعتين أشعلتا النار في خديَّ الغضين ، و أخرستا لساني ، و أقمعتا أية قدرة احتجاجية لدي ، و لكنهما  لم  تفلحا بكبت  دموعي  لعدة سنوات .

*****

 

و مضت السنون  تدفع بعضها بعضا في وتيرة واحدة مملة  ..

نخدم معا أنا و والدتي أسرتنا الكبيرة ، أما حياتنا الاجتماعية فلا تتعدى درجة الصفر ، فنحن منطوون – أو هكذا فرضها الوالد علينا – لا نزور و لا نُزار ، فإن خرجنا فللتسوق ليس إلا ؛ حتى إذا عدت  إلى فراشي  منهكة بعد شقاء اليوم بطوله ، أستغرق في ثبات عميق ؛ أما إذا عصاني النوم  فكنت أحلم أيضا ، و لكن بأحلام اليقظة ، أي أحلام الوهم و الأماني بعيدة المنال  ، و كانت كلها حول موضوع واحد لا يتغير ، أي حول ذلك الفارس الأسطوري الذي سيحملني فوق صهوة جواده المجنح لينتشلني من واقعي الرتيب ؛ ثم لا ألبث أن أعود إلى واقعي الكئيب حيث لا فارس و لا حصان ؛ فمن أين يأتي الفارس و نحن لا نعرف أكثر من حدود منزلنا ، على الرغم من أن منطقتنا تعج بألوف العرب ؟!

*****

عندما كبر إخوتي و كلهم ذكور فتوجه كل منهم إلى عمل يشغله و توقف والدي عن العمل لتقدم السن ، قرر فجأة ، أنه سئم العيش هنا و أنه يشعر بضجر قاتل ، و أنه سوف يموت كمداً إن ظل متسمرا فوق مقعده أمام شاشة التلفاز ، ثم خطا خطوة تعسفية أخرى  كعادته ، إذ عاد ذات يوم يحمل تذكرة سفره ، ليبلغنا – من باب العلم – أنه عائد للوطن في اليوم التالي ؛ نظرنا نحوه بذهول دون أن يتمكن أي منا من مناقشته ، فقد عودنا  جميعا بلا استثناء على السلبية المطلقة ! ..

 

*****

عندما تزوج إخوتي أحدهم بعد الآخر من زوجات غير عربيات ، و ابتدأ كل يتهرب من دعمنا ماليا ، اضطررت للعمل نادلة في أحد المطاعم  ، و لم يمانع إخوتي و كذلك – و لدهشتي الشديدة  – لم يعترض والدي عندما علم بالأمر .

و بينما كنت في خضم يأسي من تغيير حالتي كعانس بائسة ، إذا برسالة مقتضبة من الوالد – و كانت رسائله نادرة –  تتدخل ثانية في مصيري دون الاستماع إلى رأيي ، بقرار جديد من قراراته التعسفية ، يخبرني فيه أن أحد أقاربه خطبني منه و أنه وافق و أعطى كلمته ، و ما عليَّ سوى التنفيذ ، كما عليَّ ايضا استكمال الإجراءات التي يتطلبها القانون الأمريكي !.

 

*****

و جاء فارس الأحلام ، و لكنه جاء مهلهلا خالي الوفاض ، خالٍ من علم أو مهنة يتقنها أو مال ينفقه ، بل حتى تذكرة قدومه اشتريتها له بأمر الوالد !

و ظل ( صهر بيت مدلل ) …

حتى أنني  كنت يوم قبض الرواتب – و  بناء على نصيحة والدتي –  أضع راتبي  على الطاولة ، ليتناول منه ما يشاء و يترك لي ما يشاء  ..

و استمر الحال كذلك إلى أن وجد عملا في إحدى محطات الوقود ، فقلت جاء الفرج !

و لكن ………؟!

*****

و لكن لات من فرج أو إنفراج !

فقد بدأ يحول راتبي جميعه إلى الوطن باسم شقيقه الكبير ، و بدأنا نعيش على راتبه الضئيل  .

و كأنثى عربية  رضختُ صاغرة ، فالذكر هو السيد المطلق و أنا الجارية الأبدية  .

كانت حجته شراء أرض في بلدته بالوطن ، و من ثم  بناءها لضمان مستقبل الطفلة التي أنجبناها لتونا ( ؟؟!!!).

و أقول الحق أنني اقتنعت لفترة بوجهة نظره  ثم بدأت تراودني الشكوك …

لماذا ليس باسمه أو باسمي ؟

لماذا باسم أخيه ؟

لماذا و لماذا و لماذا ؟…

و ذات يوم بحت لأمي بشكوكي …

فخرجت هذه المرة عن سلبيتها..!

فجن جنونها ، ثم  دفعتني لمطالبته  بأن أكون على الأقل شريكته في المشروع !

و إذ جابهته بهذا الاقتراح  ، اصفر وجهه و ارتعشت شفتاه و صاح في وجهي قائلا :    ” من فينا الرجل ؟ ” أجبته بمنتهى اللطف : ” الحق لا ينقص من رجولتك  ” فكانت رده هذه المرة صفعتين أشعلتا النار في خَديَّ الغضين ، ذكرتاني  بصفعات الوالد و استبداده .

بكيت كثيراً….

و لكن …

لم أستمر طويلا هذه المرة  في النحيب……

فقد انبثقت – على حين غرة – شعلة تمرد من أعماق أعماقي تعلن :   ” أنني  لن  أكون  جارية  إلى الأبد  و  لن أسمح  لابنتي  أن  تكون جارية ! ”

و بدون أن أستشير أحداً طردته من المنزل .

حاول استخدام عضلاته ثانية ، فنفرت  إلى الشارع حاملة ابنتي ، صائحة مهددة :

” إذا لم تخرج في الحال من بيتنا  فسأصرخ بأعلى صوتي  مستنجدة  ، و سأطلب لك الشرطة ! ”

ثم أكملت بأعلى صوتي :

” لن أكون جارية  خنوعة بعد اليوم – هل فهمت ؟”

” لن أكون جارية ..”

” لن أكون ..!! لن أكون ..!!  ”

——————————————

*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب