قصة قصيرة

نزار ب. الزين*

            كانت تبكي بحرقة  بينما كانت تخاطب  ( أم نائل ) بصوتٍ متقطعٍ كسيرٍ حزين :

 – لم أفعل ما يسيئه  …

    لقد أحببته بكل جوارحي ….

   و لم يكتم عني حبه  ….

   أيامي  معه – حتى الأمس – كانت  كلها عسل …

  أمس بالذات : كان يناديني ( يا حلوتي )

  فكيف تريدنني أن أصدقك يا أم نائل ؟

  لعلك تمازحينني يا أم نائل   ؟!

*****

  بدأت القصة قبل شهر تقريبا ..

  دخلت أم نائل حياتهما فجأة …

كانتا قد ودعتا الأب و الزوج الراحل ..

و استمترا  تجتران  أحزانهما  إلى  أن  قرعت  أم  نائل  الباب  ،  فحولت أحزانهما إلى أفراح..

  ” سمع الأمير بجمال ابنتك ”  قالت للوالدة  بهدوء المتمرس !

و لكن المفاجأة صعقتهما .

– “الأمير يطلب يد ابنتي ، أنا  ؟!!! “

سألتها مشدوهة ، ثم أضافت و هي في أقصى حالات الإنفعال :

” و من نحن حتى يناسبنا الأمير ؟ “

” أخشى أنك قرعت الباب الخطأ  يا سيدة ! “

و لكن أم نائل تؤكد لهما ، أن الأمر حقيقة و ليس وهما و لا حلماً..

و تبدأ على الفور في بحث ترتيبات الزواج ، قبل أن تتلقى إجابتهما …

و تنجرُّ الأم في حديث الترتيبات و كأنها مُنَوَّمة !

و يرقص قلب الفتاة فرحا !

فلطالما فتنتها قصة ساندريلا ..

و هاهي تصبح ساندريلا حقيقية ، بلا مؤامرات أو دسائس أو ساحرات !

*****

و في ضاحية بعيدة

و في دارة*  أحاط بها رجال الأمن …

يستقبلهن  ضابط كبير ، و ينحني لهن احتراما ، عندما يتأكد من هويتهن …

كن ثلاثا ، العروس و أمها  و السيدة أم نائل !

يدخلن الدارة ..

يبهرهما – العروس و أمها  – زخارفها و أثاثها …

 يستقبلهما طباخ و خادمتان شرقيو  الملامح …

يدخل بعد دقائق مُلاّ  ( رجل دين ) مهيب الطلعة ..

يتبعه  بعد  دقائق  أخرى ،  رجلان  يحملان  طرفي عباءتيهما  المطرزتين بخيوط الذهب ..

يحييان الشيخ  الوقور بحك  الأنوف .

*****

تشعران بحركة غير عادية خارج الدارة..

ثم حركة غير عادية  داخلها ..

ثم يقف الجميع إجلالاَ !

إنه  الأمير !!!!

*****

 ينادي المُلا * والدة العروس :

– أنت وكيلة العروس ؟

 و دون إنتظار إجابتها استمر يقول :

– في  بعض الظروف  يمكن  للوالدة  أن  تكون  وكيلة  ابنتها ، رددي    معي   ( يا حرمة ) …..

ثم أخذت تردد ما يقوله المُلا  كالببغاء ..

و قام  الآخران بالتوقيع كشاهدين و كأنهما رجلان آليّان ..

” مبروك .. مبروك ..  “

ثم انصرف  المُلا …

و انصرف الشاهدان …

ثم انصرفت أم نائل و هي تجرُّ أم العروس ، جرّاً .

*****

أضافت أم نائل بعد أن هدأ  نحيب الفتاة …

 ” لا تحزني  يا  بنية ، فأميرنا لن يغبنك حقوقك ، إنه  أمير عادل و من عشاق العدالة المطلقة  “..

ثم أكملت و كأنها تسرد من كتاب حفظت فصوله جيدا :

” قبل كل شيء عليك  أن تلتزمي بالعدة “

” إن تبين أثناءها  أنك حامل ، فستكون  لطفلك  نفقة حتى آخر العمر ، كأي من أفراد العائلة الأميرية  “

” و إن لم يتبين ذلك ، فلك الحق بالبقاء في هذه الدارة مدة العدة كلها (!) “

” ثم سيمنحك الأمير  مبلغا من المال يكفيك للعيش الكريم مدى الحياة .”

“و انتبهي جيدا للتالي :  إذا أنجبت له ، لا يحق لك الزواج ثانية  على الإطلاق ؛ أما إذا لم تنجبي فلك الحق بالزواج  و لكن بعد سنتين ..”

و لكن الفتاة أجابتها و هي تشرق بدموعها :

–  ” و لكنني لم أفعل ما  يكدره  “

   ” لقد أحببته بكل جوارحي “

  ”  و لم يكتم عني حبه “

 ” و حتى الأمس كان يناديني ( يا حلوتي  ) “

 ”  لم أفكر قط بالمال “

 ” لم افكر إلا بحبه و كيف أرضيه !!! “

” فكيف أهون عليه ؟ .. “

–  يا بنية ، أنتِ لم تستوعبي الأمر بعد !

 أجابتها أم نائل بلطف متناهٍ ؛ ثم أكملت و هي تربت على كتفها مهدئة  :

– ” تلك هي مستلزمات الإمارة يا بنية “

” المسؤوليات الهائلة الملقاة على كاهل الأمير تجعله بحاجة دائمة للترفيه “

” فكل أسبوع له زواج جديد “

” و كل يوم يتلقى من  وجهاء البلد و شيوخ العشائر – الذين يدركون جيدا إحتياجاته – يتلقى  منهم  عرائض   يرجونه فيها  أن  يشرفهم  بقبول  بناتهم  زوجات له ! “

” إنها طبيعة الأمراء في كل زمان و مكان “

” ألم تسمعي بحريم و جواري هارون الرشيد و غيره من الخلفاء ؟ “

” ألم تقرئي روايات ألف ليلة و ليلة قط ؟ “

” أجساد الأمراء – يا بنيّة – بحاجة  لحب متجدد تقدمه العذارى”

 ———————-

* المُلاّ : رجل دين

*الدارة  :  الفيلا

———————————–

*نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب