قصة قصيرة

نزار ب. الزين*

” والديَّ العزيزين ، لديَّ خبر يهمكما ، لقد تعرفت على  فتاة رائعة ، هي زميلتي في الجامعة ، و هي تبادلني عواطفي …….”

يحملق والده  في وجهه  فاغراً  فاه  …

تنظر إليه والدته مشدوهة بدورها ، و قد رسمت على شفتيها إبتسامة شاحبة …

ثم تلاحقه والدته بأسئلتها : ” أ جميلة هي ؟ طويلة ؟ قصيرة ؟ بيضاء ؟ سمراء ؟ ماذا عن عائلتها ؟ , و عن مستواها الإجتماعي و الإقتصادي  ؟  و هل  لدى أهلها  عِلم  بسلوك ابنتهم و استهتارها  ؟   و هل …. و هل ؟……….”

يرتبك طارق…يفاجئه موقف أمه ، يهم بالإجابة ، يقاطعه والده : ” هل التحقت بالجامعة – يا ولد – كي تحب و تعشق ؟  ألم تتخلص بعد من تصرفاتك الصبيانية  ؟! ” يزداد طارق ارتباكا ، ثم يلملم شتات نفسه بصعوبة  ثم  ينطق مدافعا :  ” هذه ليست  صبْينة يا أبي ، هذا أمر  جاد  و مصيريّ  يا والدي ! ”  ثم يلتفت إلى والدته قائلا بثقة و تصميم : ” بصرف النظر عن شكلها الخارجي – يا أمي –  و عن مستوى عائلتها الإجتماعي و الإقتصادي ، فأنا  أحبها و سأرتبط بها حالما أنهي دراستي الجامعية ، أما عن أخلاقها  فهي أشرف من الشرف .. “

ينتفض الوالد غضبا و هو يرد على جرأة إبنه : ” هذه قحة – يا ولد – لا أقبلها منك ، نحن نتكبد مصاريفك الباهظة ، لتتعلم  و ليس لتضيع وقتك بمثل هذا الكلام الفارغ …! ” ثم يضيف  حاسما الموقف : ” لا لزواج الحب .. لا للزواج بعيدا عن الأصول و الأعراف ، لا للزواج  قبل التخرج  و العمل و الإعتماد على الذات .. لا حق لك بالإختيار على هواك…. هيا  إلى  كتبك  في الحال – يا  ولد (!) –  و كف عن هذا  التهريج  السخيف ! “

 ” أنا لم أمت بعد ؛ أنا والد كوثر و أنا وليّ أمرها و المسؤول عنها ، و كلمتي هي العليا في هذا البيت ؛  و أنا أمنعكما من إيذائها منعا باتّا و قاطعاً ، فقط إتركا المسألة لي ، هذا أمر و ليس رجاء .. مفهوم ؟! “

تعود كوثر من الجامعة ، تدخل  غرفة الجلوس ، تلاحظ تجهم الوجوه ، تنتبه إلى دموع والدتها  ، تهم بتقبيل يد والدها كما جرت عادتها ، و لكنه يمنعها  بغلظة ..

 ” ما الأمر؟ ” تساءلت ؛

 يحاول شقيقها الطبيب أن يجيبها  ، فيأمره الوالد بالصمت .

 ” ما الأمر ؟ ” تساءلت ثانية و بإلحاح ، فيجيبها الوالد باقتضاب : ” ثمت سيدة إتصلت بشقيقَيْك و أبلغتهما أنك  متعلقة بزميل لك  في الجامعة  اسمه طارق ، هل هذا صحيح ؟ ” ، تجيبه بكل براءة : ” نعم صحيح !”

ثم …

يضيف بنبرة أقوى و وجه أشعله الغضب : ” و تقول السيدة أيضاً أن لديه شقة مستأجرة  و أنكما تلتقيان  فيها ؛ هل هذا صحيح ؟ “

تصفع كوثر خديها بيديها الإثنتين ، ثم تتوجه مندفعة إلى المصحف الشريف المعلق في صدر الغرفة ، تحمله و تقسم به أن ذلك غير صحيح  و أنها  لا  يمكن  أن  ترتكب  مثل  هذه المعصية …

” و لكن من هذه المفترية ؟ “

 تتساءل كوثر منفعلة ، فيجيبها شقيقها الطبيب ساخراً : ”  إنها  أمه  يا ست  كوثر .. إنها أمه ! “

 بعد عام واحد

– صباح الخير يا أبي  و كل عام و أنت بخير..

= من طارق ؟ ما ذكّرك بنا بعد كل هذه  الأيام ؟

– أنت و والدتي دوما على البال يا أبي ، و في العيد تصفو القلوب و تتراحم ، أليس كذلك يا أبي ؟

=  بهذه البساطة ؟ و بعد أن غدرت بنا ؟

– الغدر كلمة كبيرة يا أبي  ، و لكن دعنا من ذكر الماضي ، و افسح للصلح مجالا يا أبي ..

= علمنا أنك أصبحت أباً !…

–  أجل ، وعمر إبني ثلاثة أشهر الآن ، ألست متشوقاً لرؤية حفيدك الذي يحمل إسمك  يا  أبي ؟

= و علمنا أنك تعيش في بيت يملكه حموك ؟!

– هذا صحيح و هو  ينفق علينا من جيبه بما ذلك  تكاليف  الجامعة ، إنه رجل طيب و عطوف يا أبي  .

= و قبلتَ ، أن يشتريك ؟!

– لم يشترِني أحد يا أبي ، و سوف أسدده – كما اتفقت معه – كل قرش حالما أتخرج و أعمل .

 ثم ….

أضاف معاتبا :

– ألن تكف عن لومي يا ابي ؟

=  لقد تجاوزتنا يا طارق … و آلمتنا ..

– و ماذا عن الألم الذي سببته والدتي لزوجتي و لي ؟

 و لكن دعنا من هذا كله ‘ و لنتسامح يا أبي .

ثم …

أضاف بلهجة حانية راجية :

 – ترى هل سترحبان بنا إذا زرناكما و قدمنا لكما تهانينا بعيد الفطر السعيد ، يا أبي ؟

ثم …..

تنتزع أمه مسرة الهاتف من أبيه  ، لتجيب ولدها  بحزم :

= إسمع يا طارق  ، نحن لا نحقد عليك شخصيا فأنت وحيدنا و فلذة كبدنا ، أنت و إبنك مرحب بكما في بيتنا في كل حين ، و أما زوجتك التي سرقتك منا ،  فلا !.

——————————————

*نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب