قصة: نزار ب. الزين
ترجمها إلى الإنكليزية : د. دنحا كوركيس
فرحت “آبوا” ( و هذا هو اسمها ) و ابتهج والداها و إخوتها الثمانية ، عندما استدعاها مكتب التخديم في مدينتها الصغيرة ، ذلك أن “آبوا” سوف تنتشلهم جميعا من مستنقع الفقر الذي يعيشون .
<< عليك أن تستعدي خلال ثلاثة أيام >> أمرها بذلك مدير المكتب ؛ جميع أفراد الأسرة – من ثم – جندوا أنفسهم لإتمام استعداداتها ، ثم جاءت لحظة الوداع ، عناق و دموع ، ثم إلى الطائرة ، ثم إلى مضارب بني يعرب .
استقبلها مخدومها بترحاب و كذلك ربة البيت و ولديها الفتيين فوزية و حمد، أما بقية الأبناء و البنات – و هم من جميع المقاسات – فلم يكترثوا .
“آبوا” ، كانت بدورها فتية و شعلة من النشاط و الذكاء مع مسحة من الجمال ، و قد تمكنت بسرعة من تعلم بعض الجُمل العربية لإحتياجاتها اليومية ، و كذلك استطاعت إرضاء الجميع فأحبوها و أحبتهم .
و لكن …
ذات ليلة ، تسلل إلى فراشها بكر الأسرة المراهق ..
كمَّ فمها ، حاصرها بذراعيه القويتين ، ثم مارس فعلته الشنعاء !
تألمت كثيرا ،
بكت كثيرا ،
و لكنها أجابت بالصمت المطبق كل من حاول سؤالها عن سبب بكائها ،
<< لعلها حنَّت لأهلها ؟! >> قالت ربة البيت ، فكفوا عن سؤالها ..
و ذات ليلة أخرى ، تسلل حمد – ثانية – إلى فراشها ،
كمَّ فمها ، حاصرها بذراعيه القويتين ، ثم مارس فعلته الشنعاء !
تألمت أكثر ،
بكت أكثر ،
و لكن أحدا لم يأبه لبكائها هذه المرة ..
ثم تتابعت ممارساته و استمرت “آبوا” صامتة ، و لكن حزينة ، تعيسة ، و كسيرة الخاطر …
و لكن …
بعد مائة يوم أو تزيد ظهرت عليها أعراض الحمل ..
أكد ذلك الطبيب الذي جرتها إليه أم حمد !
ثم خضعت “آبوا” إلى تحقيق وحشي ، ابتدأته أم حمد و شاركتها به ابنتها فوزية ….
و بين كل وجبة تحقيق و أخرى ، كان حَمَد يتقدم من أذنها مهددا بالويل و الثبور و عظائم الأمور ، إن هي زل لسانها بتصريح أو تلميح .
<< لا بد أنه أحدٌ من الشارع ، قد يكون القمّام و قد يكون سائق الجيران >> قالت ذلك أم حمد ثم قررت أمرا : << هذه العاهرة ، يجب أن نجهضها قبل أن تفوح رائحة الفضيحة >>
و ابتدأت أم حمد – من بعد – سلسلة من الإجراءات الأكثر وحشية ، سعيا وراء إجهاض “آبوا” ، و تم لها ذلك !…
ما أن أبلَّت “آبوا” من آثار الإجهاض و التعذيب ، حتى قررت أمرا .
كانت قد طلبت من ( أبو حمد ) أن يعيدها من حيث أتت ، فسخر منها قائلا : << و النقود التي دفعناها لمكتب التخديم ؟ و المال الذي بذلناه لتذكرة سفرك ؟ و الرواتب التي أرسلناها لأهلك ؟! >> ثم أضاف مذكرا << كان علينا أن نسلمك للشرطة بعد فعلتك الشنعاء و لكننا لم نفعل إشفاقا عليك ! و لكن يبدو أنك عديمة الوفاء و لا تستحقين الشفقة !! >> ثم أضاف منذرا << إسمعي يا بنت ، جوازك في عهدتي و روحك في يدي ، عودي إلى مطبخك في الحال قبل أن يشتعل غضبي ! >>
و في ظهيرة اليوم التالي و بينما كان أبو حمد في عمله ، و أم حمد و ابنتها فوزية تنالان قيلولتهما ، و الصغار في مدارسهم ، تسللت “آبوا” من الدار ، تتقاذفها الشوارع على غير هدى !
كان الجو قائظا ، و بداية عاصفة رملية أخذت تلوح في الأفق…
تعبت …
كلت قدماها …
أُرهقها التجوال بلا طائل ..
بدأت قواها تخور ..
و بدأت تشعر بالدوار،عندما لمحت مبنى مخفر الشرطة ،
فتماسكت و اتجهت نحوه في الحال ،
و لكن ..
ما أن إبتدأت باجتياز الشارع ، حتى حاصرتها سيارتان ..
توقفتا ..
نزلت من الأولى أم حمد و جارتها أم سليمان ،
و نزلت من الأخرى فوزية و صديقتيها نورا و لولوة ؛
توقفت حركة المرور ..
بدأت أبواق السيارات تعوي ، و إشرأبت الأعناق من نوافذها ..
أما النسوة الأشاوس فقد حاصرن “آبوا” ..
حاولت الإفلات ….
أمسكتها أم حمد من شعرها الطويل ثم جرتها قسرا إلى سيارتها ..بينما كانت الأخريات يتناوبن على صفعها و ركلها ..
تجمهر بعض المتطفلين …
ضحك بعضهم لطرافة المشهد ….
انتبه رئيس المخفر لصخب الشارع ، فوقف بجوار نافذة مكتبه يستطلع الأمر …
ما أن شاهد أم حمد و قد إنحسرت عباءتها فحملتها بيد بينما جرت المسكينة من شعرها بيدها الأخرى ، حتى ضحك بدوره لطرافة المشهد !!!
———————————
سوري مغترب