قصة قصيرة بقلم

نزار ب. الزين

        تعرَّفَت سلوى عليها  في أحد الأعراس ، و تصادف أنهما كانتا تعيشان في نفس الحي ، فأخذتا من بعد تتزاوران ، ثم بدأتا تخرجان معا للتسوق أو التسكع في الأسواق . كانت نورا صديقتها الجديدة هذه ، مغرمة بشراء الملابس و أدوات التجميل و العطور ، تختار منها أفخرها و أغلاها ثمنا ، و يبدو أنها تدرك تماما إمكانياتها الفيزيائية ، فهي ممشوقة القد ، فارعة الطول ، تغلفها مسحة من الجمال الشرقي الجذاب ، كما يبدو أن مهنة عرض الأزياء كانت و لا زالت حلمها المفضل .

          كانت دوما تدخل و تخرج من غرف القياس في المحلات الكبرى ،  و هي في أقصى حالات الجزل  و المرح ، فتتمختر بما تجربه من ملابس بخطوات راقصة كما تفعل العارضات ، على إيقاع صفير منغم يخرج من فمها عذبا ، فتضحك  سلوى  و تصفق لها مشجعة ، بينما ينظر إليها موظفو المحل خلسة  و قد فتنتهم بجمالها و قدها المياس  و حركاتها الرشيقة…

كانت مرحة و مسلية ، أحبتها سلوى من كل قلبها ، و تمكنتا معا من التغلب على ساعات السأم  و الضجر الصباحية .

و لكن المرح لم يطل للأسف ، بل تحول إلى حرج  و قلق  و دموع .

         فذات يوم أسود

        و بينما كانتا تهمان  بمغادرة  أحد المحلات التجارية المشهورة ، إذا بشابين من موظفي المحل يمنعانهما من الخروج  ؟!..

ثم تقدم منهما صاحب المحل و طلب من نورا بكل تهذيب ، أن تعيد ما أخذته :

– قد تكوني يا سيدتي ، سهوت عن خلع الملابس الداخلية التي جربتيها في غرفة القياس..فأرجوك أعيديها …

صُعقت سلوى و ارتعشت هلعا و أحست أن الأرض مادت بها من شدة ما اعتراها من خجل ، أما نورا فقد تصدت لصاحب المحل  فبادأته بهجوم  وقائي شرس :

– هذا اتهام  صريح بالسرقة يا سيد ، لقد دفعت لتوي ثلاثة آلاف ليرة ثمنا لمشترواتي من محلك ؟

فيجيبها صاحب المحل مستمرا بهدوئه و سعة صدره :

–           – أستغفر الله ، أنا لم ألفظ  كلمة سرقة على الإطلاق ، و لكن أعيدي الملابس يا بنت الحلال ، و إلا إضطررت لإستدعاء الشرطة ..

تصيح به و هي في أشد حالات الغضب :

–        –  تكرر اتهامي بالسرقة  يا هذا ، ألا تعرف من أنا  ؟

أنا ابنة معاون الوزير ( …… ) ، و  زوجة العقيد ( ……. )  و لو يعلم أحدهما  بما تتهمني به  لخسف الأرض بك و خرب بيتك ، دع موظفيك يبعدا عن طريقي في الحال  و إلا لن يحصل لك  أو لهما  خيرا….

يجيبها صاحب المحل بنفس الهدوء و التهذيب الذي ميز سلوكه حتى اللحظة  :

–        – أنعم  بوالدك و أكرم  بزوجك ، و لكن أعيدي  ما أخذتيه من فضلك !

    لقد شاهدناك و أنت تدخلين إلى غرفة القياس محملة بعدة قطع من الملابس الداخلية ، و عندما خرجت خالية الوفاض ، ذهبنا في الحال لنتأكد من أنك تركتيها هناك ، و لكننا لم نجد شيئا ..

تجيبه و هي في أشد حالات الإنفعال :

–         – هل فتشتم جيدا غرفة القياس ، قبل أن تتهموا الشرفاء  يا غجر  ؟

–        فعلنا ، و تفضلي بتفتيشها بنفسك ، إن شئت  ..

تتوجه  نورا  إلى  غرفة  القياس  و هي  تنتفض غضبا و تتلفظ  بأبشع الشتائم  ، يستغرق غيابها هناك  أكثر من خمس دقائق .

 في هذه الأثناء يلتفت صاحب المحل إلى صديقتها سلوى التي لا زالت ترتعش هلعا و قلقا و خجلاً من حراجة الموقف ، فيهدئها ، ثم يسألها بلطف :

–        – هل هي قريبتك  ؟.

 تجيبه و هي لا زالت تشعر بإحراج كبير  :

–        – هي جارتي ، و من عائلة محترمة ، و حالة  زوجها المادية ممتازة و كذلك حالة أهلها ، و إني مندهشة مثلك لما صدر منها ..

 يجيبها مُطَمئِنا :

–        –  واضح تماما يا أختي ، أنك لست من طينتها ، و أنصحك بالابتعاد عنها ، هذه السيدة مريضة بداء السرقة ، و قد تورطك ذات يوم ..! ..

 تخرج نورا من غرفة الملابس الآن ، تحمل بيديها كومة من الملابس الداخلية ، ترميها في وجه صاحب المحل و هي تصرخ :

–       –  كان عليكم أن تفتشوا غرفة القياس جيدا  قبل أن تتهموا الناس الأشراف بالسرقة يا عديمي الشرف ..

يجيبها بنفس الهدوء و التهذيب الذي ميز سلوكه كل الوقت ، و لكن برنة ساخرة :

–       – لا تؤاخذيننا يا سيدتي !

  أذنبنا و منك السماح !!

  و لكن لطفاً ، لا تدخلي هذا المحل  ثانيةًً ….

————————–

*نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب