أقصوصة واقعية
نزار ب. الزين*
أجابني صديقي عبد الله و قد اغرورقت عيناه بالدموع :
– ليس لي إخوة ولا و لن أعترف بأخوتهم ، و لم ألقِ بالتحية على أي منهم منذ كنت في الخامسة عشر ، لا تقل لي صلة الرحم ، فصلة الرحم لمن يقدرها .. “
ثم أردف بعد ان مسح دمعة نفرت من عينه مرغما :
– هم ثلاثة من أمي و أبي ، و كان والدي قد صعد إلى الملأ الأعلى و ما لبثت والدتي أن تبعته بعد أشهر ، كانوا يتجارون بالماء ، فلم تكن دولتنا تمتلك مصنعا لتحلية مياه البحر بعد ، و لم تكن ثمة طرق برية تربطنا بالشمال ، فكانوا يحملون خزانات في سفينة يمتلكونها ، يبحرون بها نحو شط العرب فيملؤونها بالمياه العذبة ، ثم يعودون بها لبيعوها محققين أرباحا مجزية ..
صمت قليلا ليلتقط أنفاسه ثم أضاف :
– كنت يافعا لم أتجاوز الخامسة عشر ، عندما رجوتهم أن يصطحبوني معهم ، كانت فرحتي لا توصف فقد كانت مغامرة شيِّقة منذ لحظة مغادرة مدينتنا و حتى بلوغي شط العرب ، و هناك لم أقصر في معاونتهم في كل ما يبذلونه من جهد لملء الخزانات ، و ما أن امتلأت عن آخرها حتى قرروا العودة ، و لما عدنا إلى الميناء لننطلق منها في رحلة العودة ، كانت مياه البحر قد انحسرت بسبب الجزر فأصبح بذلك ضحلا لا يصلح للإبحار ، و بانتظار المد القادم ، هناك على الأقل خمس ساعات ، استأذنت كبيرهم لأقوم خلالها بجولة في المدينة القريبة ، فسمح لي على ألا أتأخر عن الموعد المضروب …
كانت أسواق المدينة مزدحمة ، و أزقتها متداخلة ، و فجأة شعرت أنني تهت في ذاك الزحام ، و إذ بلغت الميناء بعد لأي ، اكتشفت أنهم غادروه ، و أنهم تركوني أجابه قدري لوحدي ، و ليس في جيبي فلسا واحدا …
زفر زفرة حارة أشعلتها الذكرى المؤلمة ، ثم أكمل :
-بعد تشرد أيام أربعة جابهت فيها الجوع و العطش و حر الصيف القائظ نهارا ، و تلحفت خلالها السماء ليلا ، و آمالاً كاذبة كانت تراودني بأنهم سيعودون للبحث عني ، تمكنت من العودة ، و تمكنت من بناء نفسي بنفسي حتى تفوقت عليهم جميعا ، و لكن لم أتمكن قط من أن أغفر لهم …
==================
سوري مغترب