أقصوصة : نزار ب الزين
في جو ماطر حوَّل أرضية الحارة غير المبطلة ، إلى طين لزج ، في هذا الجو السيء ، كان عبد الرزاق يسير نحو منزل ابنته ، و قد التصق حذاءه بالطين أكثر من مرة ، فكان يحرره منه بصعوبة ، و لكن ما أن شاهد الشيخ عبد الله زوج ابنته خارجا من منزله ، في طريقه – على ما يبدو- إلى جامع الحي ، فهو إمامه ؛ حتى استوقفه عبد الرزاق ، ثم بادره لائما حول سوء معاملته لابنته مؤخرا :
– سمعتك مراراً تنصح الناس بضرورة الرفق بزوجاتهم ، فأحرى بك أن تطبق نصائحك على نفسك ، فبأي حق تهين ابنتي بالأمس و تضربها حتى أدميتها ؟ و قد أكدت لي أمها أنها ليست المرة الأولى …ألم تقل في خطبك مرات و مرات “رفقا بالقوارير” ؟
و بكل صفاقة و صلف لا تتناسب مع مكانته كإمام ، أجابه :
* لقد أنقدتك مهرها بالكامل فهي ملكي ! و أتصرف معها كيفما أشاء ! أنت ربيتها في بيتك ، و أنا أعيد تربيتها في بيتي !!!…
أجابه عبد الرزاق غاضبا :
– أنا لم أبعك ابنتي بل زوجتها لك على سنة الله و رسوله .. ،
ثم ….
أضاف بعد أن تمكن بصعوبة من ضبط أعصابه :
– أدعوك يا صهري الشيخ لأن تصلح الموقف مع زوجتك ، و أن تسترضيها و تطيِّب خاطرها ، و إلا ….
ما كاد عبد الرزاق يكمال عبارته ، حتى دفعه الشيخ عبد الله فأوقعه أرضا ،
ثم ….
مضى غير آبه ، و هو يقول مزمجراً :
*إنها زوجتي ، و ملك يميني ، و لن أسمح لأي إنسان أن يتدخل بيننا ، حتى لو كان أباها !…
***
كانت زوجة عبد الرزاق ، و بناء على طلبه ، قد أحضرت ابنتهما مع طفليها إلى بيت العائلة ، بعد أن لمس تعنت صهره و سلوكه المشين بالأمس ، و ما أن اطمأن عليهم حتى غادر إلى المقهى حيث اعتاد قضاء بعض الوقت كل يوم ..
همس لأحد جلسائه :
– لقد اكتشفت أمس أن صهري الشيخ عبد الله رجل مبروك ..
* و كيف عرفت ذلك ؟
ساله صديقه مشدوها ، فأجابه :
– صادفته أمس ، و عانقته محييا كالعادة ، ثم عدت إلى الدار ، و بينما كنت أنتزع عني سترتي ، لمحت بضع شعرات بيضاء ، تأكدت أنها سقطت من لحية صهري الشيخ ، و الغريب أنني ما أن أمسكتها بيدي ، حتى شعرت بنشاط لم أعهده بنفسي منذ أحالوني على التقاعد ، حتى ركبتي اليمنى التي ما فتئت تؤلمني توقف ألمها ؛ بداية ظنت نفسي متوهما ، و تصادف أن أحد ولديّ ابنتي الزائرة قد شج رأسه ، فاقتربت منه ، و وضعت إحدى شعرات لحية الشيخ عبد الله فوق الجرح الدامي ، و لدهشتي الشديدة انقطع نزف الدم في الحال و اختفى الجرح !!!
نهض الرجل و قد استبد به شعور مزيج بين التعجب و الحماس ، و صاح بأعلى صوته :
* الله و أكبر !! الله و أكبر !!!
تجمهر رواد المقهى حولهما متسائلين ، فشرح لهم ما حدث لعبد الرزاق و حفيده و أهل داره …
ثم …
و في أقل من أربع و عشرين ساعة ، انتنشر الخبر في الحي انتشار النار في الهشيم ،
***
اليوم التالي كان يوم الجمعة ،
ما أن رُفِعَ خلاله أذان الظهيرة ، حتى تجمع الناس في جامع الحي بأعداد وفيرة غير معتادة …
و ما أن أنهى الإمام خطبته ، التي أمَّ بعدها المصلين …
حتى اندفع بعضهم يتلمسون ثوبه قائلين :
*بركاتك يا شيخ عبد الله !!!!
ثم ….
تجرأ أحدهم فانتزع شعرة من لحيته ..
ثم …
ما لبث غيره أن حذا حذوه ..
لم تفلح مقاومة الشيخ عبد الله ، أو توسلاته ، أو صياحه من شدة الألم ! ..
و خلال ساعة واحدة أو تزيد ، جردوا الشيخ من لحيته و شعر رأسه و صدره !…
سوري مغترب