قصة قصيرة
نزار ب. الزين*
كانت عطلة الصيف المدرسية ، و كان زهير يقضي معظم وقته مستلقيا أو نائما ، يقرأ أحيانا مقاطع من صحيفة اليوم ثم يلقي بها ضَجِرا ، أو يلهو قليلا بالعزف على ( الهارمونيكا ) ثم يرميها مللاً ، و لا يدب النشاط في أوصاله إلا عندما تنادي رقية ابنة الجيران إحدى شقيقاته ، فإذا اطمأنت أنها موجودة ، تقفز فوق السور الفاصل بين المنزلين لتلقاها ، ثم تتجها معا إلى غرفتها كي تتسامرا .
عندما كان يسمع صوتها ، كان يهب واقفا ، و يهرع إلى نافذة مطلة ، كان قد جهزها بحيث يرى منها و لا يُرى ، فيراقبها و هي تتسلق السور ثم تنقلب فوقه نحو حديقة منزله ، عندئذ يتحول قلبه إلى طبل إفريقي يقرع معلنا النفير ، و تصبح عيناه كعيني صقر يبحث عن طريدة ؛ ثم يعود إلى غرفته ليستعيد صورة ما رآه و هو في أشد حالات الإنفعال و الهياج ، ثم يظل متربصا إلى حين عودتها إلى بيتها ، ليهرع من جديد إلى تلك النافذة .
عندما كانا يتقابلان – مصادفة – وجها لوجه ، كانت تلقي عليه تحية مقتضبة و قد وشّت خديها حمرة خفيفة ، أما هو فكان يرد السلام بفم مرتعش و قد اشتعل وجهه و كاد قلبه يخرج من صدره .
كانت رقية ترافق أحلام يقظته و أحلام نومه على السواء ، يتخيلها إلى جانبه يناجيها و يبثها لواعج قلبه ، أو يؤلف جملا رقيقة يتصور أنه سيلقيها على مسامعها معبرا عن وقوعه في هواها ، إلا أنه لم يجرؤ أبدا على إلقاء كلمة واحدة أكثر من ( أهلا ) مقرونة برجفة تنتابه من قمة رأسه إلى أسفل قدميه .
و ذات يوم قدم إلى المنزل فتىً يماثله سنا أو أكبر قليلا ، برفقة والده الذي عرَّفه بأنه ( سليم ) أحد أبناء العمومة ، جاء إلى المدينة ليكمل دراسته الثانوية ، لأن بلدته ليس فيها صفوفا لما بعد شهادة الكفاءة* ، و أنه سيكون ضيف الأسرة إلى أن يجد مسكنا مناسبا .
رحب به الجميع و بسرعة أصبح كأنه أحد أفراد الأسرة ، كما أصبح صديقا حميما لزهير ، الذي ما لبث أن أسرَّ له عن حبه الدفين لرقية ابنة الجيران و ما يعانيه من عذاب هذا الحب الذي ملك قلبه و روحه ، و أنه لم يتجرأ حتى الآن أن يبوح لها بحبه هذا ، و أنه كتب لها عشرات الرسائل و لكنه كان يمزقها جميعا قبل أن يجف حبرها ، خشية أن تصده أو تفضح أمره .
في الأسبوع التالي ، و بينما كان زهير عائدا من دكان الخباز ، صُعِقَ إذ لمح سليم – ضيف الأسرة – و برفقته رقية ابنة الجيران التي طالما سلبت لبه و أرقت مضجعه ، يتمختران معا على الرصيف المقابل ، و قد التصق الكتف بالكتف و تشابكت اليد باليد .
————————
* شهادة الكفاءة : شهادة المرحلة المتوسطة(البروفيه)
————————————–
سوري مغترب