قصة قصيرة واقعية
نزار ب. الزين*
أنا على وشك الولادة يا أمي و قد أكد لي الطبيب أنني أحمل ذكرا ، لك أن تتصوري وقع الخبر على زوجي ، كاد يرقص فرحا ،
و لكن …
ثمت مشكلة تواجهنا يا أمي ، إجازة الوضع هنا خمس و أربعون يوما فقط ، فمن سيعتني بالرضيع بعد انتهائها ؟
لا توجد بالقرب منا دار حضانة .
و ناظرة المدرسة رفضت – قطعا و بتا – أن أصحب الرضيع إلى المدرسة فأضعه برعاية إحدى العاملات ،
كنا ثلاث حوامل ظروفنا متشابهة ؛
رفضت رجاءنا و توسلنا بكل جفاء و غطرسة و استكبار!
اقترحت على زوجي أن أستقيل ، و لكنه رفض – قطعا و بتا – قال لي في معرض تبريره :
– ” إنها فرصة العمر لن نضيعها مهما كانت النتائج ! “
– حتى لو كانت على حساب ابننا يا حامد ؟ سألته معاتبة ، فأجابني مطمئنا ً:
– ” بعد الولادة و إجازة الوضع يحلها الحلال !! “
هكذا هي عادته دوما يرجئ الأمور ، و لكنني لا أخفي عليك أنني في غاية القلق ، فلست أرى حلاَ لمعضلتنا هذه غير أحد أمرين ، إما استقالتي أو حضورك عندنا للعناية بحفيدك أثناء غيابي .
أنا أعلم أنك مريضة يا أمي و أنك بحاجة للرعاية ،
و لكن ما العمل يا أمي ؟ لم يعد أمامي من أمل إلاكِ ….
أرجوك و أقبل يديك الطاهرتين ، أن تسعي بأقرب فرصة للحصول على ( فيزا ) و الحضور لنجدتي ..
*****
كانت الاجابة على رسالة ( سها ) ورقة نعوة ، فالوالدة انتقلت إلى رحمة ربها …
بكت كثيرا …
و بين كل موجتي بكاء كانت تضرب كفا بكف متسائلة و قد تملكتها الحيرة : ” كيف سندبر الأمر ؟؟! “
واساها زوجها ، و لكنه كان كلما خلا إلى نفسه يضرب كفا بكف متسائلا و قد تملكته الحيرة : ” كيف سندبر الأمر ؟؟! “
واستها زميلاتها ، و لكنهن جميعا مرتبطات بالدوام المدرسي مثلها و لا يمكن لأي منهن أن تقدم أية معونة .و كن يضربن كفا بكف متسائلات ” كيف ستتدبرين الأمر يا سها ؟”..
اقترحت إحداهن أن تستدعي مربية من إحدى الدول الآسوية..
و لكن ( حامد ) رفض الاقتراح – قطعا و بتا – فراتب المربية سوف يستقطع معظم راتب زوجته (!) .
ثم أخذ يرجئ البحث بالموضوع – كعادته – كلما حاولت سُها إثارته :
” بعد الولادة و إجازة الوضع يحلها الحلال !! “
كانت تلك إجابته على الدوام .
*****
تمت الولادة بيسر ، و هبط الطفل إلى الدنيا صحيحا معافى ،
فرحا به ، و أغدقا عليه كل حبهما و حنانهما
كان كلما عاد من عمله يهرع إلى سرير الطفل قبل أن يقرئ السلام على زوجته ، فيبدأ بمداعبته و تقبيله ، و قد أشرقت أساريره و التمعت عيناه بسعادة لم يشعر بها من قبل …
و لكن …..
و لكن عندما اقتربت إجازة الوضع على نهايتها ، أخذا يضربان كفا بكف ، متسائلين بحيرة : ” كيف سنتدبر الأمر ؟ “
رفض حامد مجددا فكرة المربية- قطعا و بتا !
و رفض كذلك فكرة إستقالة زوجته – قطعا و بتا !
ثم …
ثم تفتق ذهنه عن فكرة ألمعية اعتبرها حبل النجاة ألهمه بها قاضي الحاجات…
*****
بدأ يصحب الرضيع معه
يتركه بالسيارة مع تجهيزاته
ثم يطل عليه كل فرصة بين حصتين
فيرضعه بالبزازة بعناية بالغة ،
و يضيف إلى الحليب الصناعي الذي كان يغذيه منه ، قطرات من ( ماء الغريب ) و هو دواء مهدئ يُعطى للرضع في حالات خاصة (!).
ثم يغير له حفاضاته بلا أدنى تذمر أو اشمئزاز ..
ثم يعود مسرعا إلى حصته القادمة …
كان يقوم بكل ذلك بمهارة أنثى خبيرة
*****
و في يوم قائظ ،
قدم إلى المدرسة مفتش مادة العلوم التي كان حامد يدرسها ، فحضر حصتين متواليتين من حصصه ، ثم شغله مع زملاء آخرين بمناقشةٍ حول أدائهم ، استغرقت ساعة أخرى ..
و ما أن انتهى الاجتماع حتى تذكر حامد وليده ،
فهرع الى السيارة ليطمئن عليه ..
ليجده جثة هامدة !
——————————-
سوري مغترب