أقصوصة*

نزار ب. الزين*

     كانت وضحة ذات الأحد عشر ربيعا ، تلعب من رفيقاتها في المرعى المجاور لخباء ذويها ، عندما أحست بالعطش فانسحبت إلى الخباء لتروي ظمأها .

في المساحة المخصصة للضيوف من الخيمة الكبيرة المصنوعة من شعر الماعز ،  أثار فضولها نقاش يجري  وراء الحاجز القماشي الذي يفصلها عن ركن الضيوف ، أخذ يتضح بعد أن اقتصر على والدها و شخص آخر ، فانصرفت للإصغاء إلى كل حرف :

الوالد : “اسمع يا شيخ العرب ، و هل يمكن لمثلي أن يرد لك طلبا ؟ ستكون طوع بنانك و خادمة بين يديك ، و لكن .. “

تريث قليلا ، ثم … أضاف :

 “و لكنني أستميحك عذرا يا شيخ ضرغام ، أريد سياقها* كاملا ، و وعدا أمام الله و الناس ، ألا تتدخل في شؤونها أي من زوجاتك الأخريات ، لا دخل لهن بها سوى بالمعروف ، و أن يكون لها خباؤها الخاص ، اعذرني يا شيخي ، إنها طفلة ، و الحق حق ! .”

ثم ….اضاف :

 “صارحوني يا أخوان إذا كنت تجاوزت حدودي . “

بعد ثوانٍ من الصمت ، سمعت صوت الآخر يجيبه :

“عيب  يا  لافي ، أعليَّ  تعقد الشروط ؟  و مع ذلك مسامح  سياقها لن يقل عن  الأصول  : “أربعون راس* ، و أربعممائة قرطاس* ، و حِبَّة* على الراس ، و كرامتها على على العين و الراس ! “

فيجيبه الوالد على الفور : “خمس  بقرات  حلوب و خمس غنمات مثلها  ،  خمسة ثيران  و خمسة أكباش ، عشر عجول و عشر حملان  ..”

يجيبه الآخر : “أنت طماع يا لا في ، و لكن لست أنا من يعجز عن طلباتك ، لك ما تشاء ! .”

ثم …

تسمع وضحة جلبة أخرى و تكرارا لعبارة : “مبروك يا لافي.. مبروك يا شيخ ضرغام”  ؛  فتلتفت إلى أمها متسائلة : ” من هو الشيخ ضرغام ، و من هؤلاء الناس ؟ و علامَ كانوا يتساومون ؟ و على ماذا يباركون ؟!”

تبتسم أمها ، تقبلها من جبينها  ثم …. تضيف : “مبروك يا وضحة لقد أصبحت عروسا !!! “

 زينوا وضحة بالقلائد , و الأساور الفضية ، و توجوا رأسها بحزام من الليرات الذهبية العثمانية ،

ثم …

و بعد الدبكة و السحجة*  و الأهازيج و الزغاريد ، أركبوها حصانا أصيلا كانوا قد زينوه لهذه المناسبة  ، و ساروا بها نحو خيمتها  حيث ينتظرها عريسها الشيخ ..

الكل كانوا مبتهجين نساء و رجالا و أطفالا … إلا وضحة ..

الكل كانوا  مشرقي الوجوه …إلا وضحة..

لم يفارقها العبوس لحظة واحدة…

إذ لم يزايلها الخوف آناء الليل و أطراف النهار ، منذ أخبرتها والدتها أن والدها أعطى كلمته بشأنها ، لمن يكبره على الأقل بعقد من الزمن …

و لكن ما أن اعتلت صهوة الحصان ، حتى تحول خوفها إلى هلع …

ألقت بنفسها من فوقه محاولة الهرب ، و لكنهن ، أمها  و قريباتها  أعدنها  إلى  صهوته …

ثم …

و بعد دقائق .. ألقت نفسها ثانية محاولة الفرار …

إلا أنهم أعادوها مرغمة ، مع صفعة على القفا  وجهها إليها والدها …

و إذ بلغت خيمتها الصغيرة ، حاولت الفرار للمرة الثالثة …

فأدخلنها الخيمة مرغمة مع عقصة من أمها كادت تدميها ..

ثم ….

تركوها لمصيرها ….

كان صراخها يدوي .. يهدأ قليلا ثم يعلو من جديد ليبلغ عنان السماء

ثم ..

تحول صراخها إلى عويل ..

و لكن …

لم يجرؤ أحد على الاقتراب من الخيمة …

ثم …

ران الهدوء

ثم ….

رُفعت الراية الحمراء ، فنشط الفرح من جديد ، و أطلق بعض الشبان العيارات النارية ، تحية جليلة لهذا الحدث الكبير !!!

و لكن ..

عندما جاءت والدتها مع أخريات في صباح اليوم التالي ليطمئنن على حالها ، وجدنها شبه عارية في أحد أركان الخيمة و قد ملأت و وجهها و جسدها الكدمات …

و فوق ذلك كانت تنزف ….

=================

*40 راس : أربعون رأسا من الماشية

*400 قرطاس : 400 ليرة ورقية لتجهيز العروس

* حِبَّة على الراس : قبلة على الراس

*السحجة : التباري بالتصفيق الحاد حتى تدمى الأكف مرفقا ببعض الأهازيج

*سياقها : مهرها

=================

*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب