قصة حقيقية
نزار ب. الزين*
تسمع هدير السيارة ، ترتعش ،
يتوقف الهدير ، تزداد إرتعاشا و رعبا ،
تشاهده يكشف طرف الخيمة ، فتصرخ و تصرخ ؛
يتقدم منها و قد ركَّب إبتسامة صفراء فوق لحيته الصغيرة ، (( لماذا تخافين مني يا صغيرتي )) يقول لها بصوته الوحشي ، ثم يضيف : (( لقد أحضرت لك صديقي حمود كما أحضرنا لك كبابا و حلويات .. هيا كلي بالهناء و الشفاء )) تجيبه بمزيد من الصراخ و بلغة لم يفهم منها حرفا ، ربما كانت تستنجد بوالديها ” همس لنفسه ” ، يحاول إرغامها على الأكل ، تزدرد لقيمات ثم لا تلبث أن تتقيأها ؛ (( ترفضين الطعام ؟ هذا شأنك ، و لكنك لن ترفضي المتعة … )) يعاود ربط يديها ، يملأ فمها بقطعة قماش قذرة ليخرس صوتها المبحوح ، ثم يلتفت إلى صديقه حمود : (( تفضل قبلي !!! ))
يتقدم حمود ، يشمئز ، يرفض ، يبتعد ….
يتقدم عبد الرحمن ، فيمارس وحشيته ..
(( حرام عليك يا رجل إنها طفلة … إنها تموت ، إنها تنزف ! )) يقول حمود مستاءً ، فيجيبه عبد الرحمن متسائلا بينما لا يزال يلتهم ضحيته : (( تقول طفلة ؟ إنها في التاسعة يا رجل ! )) ..
يزداد إشمئزاز حمود ، تخالطه مشاعر الإشفاق على الطفلة و الندم لأنه رضي بمرافقة صديقه ، و الغضب منه بل و إحتقاره ، يخرج من الخيمة و يجلس في السيارة مضطربا منزعجا تتقاذفه الأفكار ….. و النوايا ! .
(( ظننتك رجلا يا حمود )) يقول لصحابه – ممازحاً – بعد أن فرغ من إلتهام ضحيته ، فيجيبه حمود : (( و أنا ظننتك إنسانا ! ))
(( لماذا أنت هكذا خجول مثل البنات يا حمود ؟ لقد تناوب عليها منذ إختطفتها كل أصدقائنا المشتركين ، و خرجوا جميعاً شاكرين ، إسأل راشد ، إسأل شارخ و إسأل عبد الله ، كلهم أعجبتهم الوليمة ! إلا أنت.؟!. ))
يصمت حمود و هو يكاد يبكي !
*****
بعد أن اعتلى منصة المشنقة مرغماً ، التفت عبد الرحمن نحو الجماهير المحتشدة ، فصاح يخاطبهم : (( لماذا أنا وحدي ؟!… كلهم كانوا شركائي ، جميعهم دفعوني لإختطاف الطفلة ، راشد و شارخ و عبد الله و جسار و غلام …. )) و إذ علا صياحه أكثر ، أسرع الجلاد ( العشماوي ) فغطى رأسه بكيس أسود فانكتم صوته ، ثم ما لبث جسده أن تدلى فأخذ يتراقص في الخلاء كديك مذبوح ؛ ثم نفق…
بينما كانت الجموع المحتشدة تهلل و تكبر .
*****
—————————–
اللوحة من رسم الأديب الفنان عبد الهادي شلا
—————————–
سوري مغترب