قصة قصيرة

نزار ب. الزين*

     جواد في الخمسينيات من عمره ؛

جاد في عمله كمدير أعمال أحد كبار المقاولين ،

جاد في بيته ،

جاد في تعامله مع جيرانه ،

و جاد في محافظته على صحته في المأكل و المشرب ،

إضافة إلى ممارسته اليومية لرياضة المشي …

صباح كل يوم يمشي على شاطئ ( كورنيش ) الخليج لمدة ساعة أو تزيد قبل توجهه إلى عمله ،

و لكن ….

و لكن ، ذات يوم جمعة لم يعد جواد من رياضته إلى بيته ..

اشتعلت نار القلق في رأس زوجته و أبنائه ..

كانوا ثلاثة ،

توجهوا إلى الشاطئ ثم انفصلوا ليذهب كل منهم في اتجاه بحثا عن والدهم ،

عادوا بعد ساعة أو تزيد بخفي حنين ؛

إزداد القلق و التوتر ….

انتشر الخبر بين الجيران …

كلهم يحبونه و يحبون أفراد أسرته ،

ركبوا سياراتهم و ابتدؤوا جولة جديدة من البحث ،

ثم عادوا بعد ساعة أو تزيد بخفي حنين ؛

بدأت الزوجة تلطم خديها و تستغيث ،

بدأ الجيران يهتفون إلى المستشفيات و مخافر الشرطة …

لم تجدِ اتصالاتهم نفعا ….

ارتفعت وتيرة القلق في العمارة كلها ،

التفت النساء حول الزوجة يواسينها و يصبّرنها ،

و تجمع الرجال أمام مدخل العمارة يتساءلون  و يتشاورون ؛

عندما توقفت سيارة مدنية ،

هبط منها رجلان بثيابهما الوطنية ،

سألا عن منزل جواد السيوفي ،

يقدمان لزوجته سرة ملابس غارقة بالدماء …

يطلبون منها ملابس بديلة و أغطية …

تتمسك بتلابيبهما و تبدأ بطرح أسئلتها الملتاعة :

<< أين جواد ؟ هل تعرض لحادث دهس ؟ هل هو حي أم ميت ؟! >>

يجيبها أحدهما بكل برود :

<< زوجك محتجز لدينا >>

يبدأ الجيران بدورهم بطرح الأسئلة ..

<< باي  جريرة  قبضتم  عليه ، في  أي  مخفر  هو ، و كيف  تلوثت  ثيابه بالدماء ؟! >>

ينظران إليهم شذرا ، يرفضان الإجابة ..

يلحف أحد أبنائه بطلبه معرفة مكان والده ،

يدفعانه فينسفح بطوله فوق الأرض ….

*****

يتطوع أحدهم باللحاق بهما عن بعد ،

يتعرف على المخفر ،

و يعود ليخبر الآخرين ،

يتطوع أحدهم بمصاحبة الزوجة إلى المخفر المذكور …

يستشيط رئيس المخفر غضبا ،

فقد أزعجه صراخ الزوجة و عويلها ؛

يصيح في وجهها :

<< زوجك لص ، قبض عليه رجالنا متلبسا >>

يجيبه أبو سليم مستغربا :

<< لص ؟ جاري جواد من أنظف الناس ، و هو في مركز وظيفي محترم و ميسور الحال ماديا ، و من المستحيل أن يكون لصا ، لا بد أن في الأمر خطأ ما  >>

يصيح رئيس المخفر في وجهه :

– ( بلا ربربة و كتر حكي ) لقد قبض عليه رجالنا متلبسا ، و تعرَّف عليه الكلب البوليسي (! )

ثم يضيف بصوت أعلى :

– إغرب عن وجهي أنت و هذه الشمطاء ، قبل أزج بكما إلى جوار المتهم ،

غدا سنحوله إلى النيابة العامة و القضاء سيفصل بأمره ، هيا إلى  بيتيكما …

*****

صباح اليوم التالي ،

يخبرون رئيس الشركة بالأمر ،

يتصل مباشرة بوكيل وزارة الداخلية ؛

خلال أقل من ساعة كان جواد السيوفي في بيته .

يعود الجيران من أعمالهم مساء ،

يحاولون الاطمئنان عنه ،

يرفض مقابلتهم ؛

يرفض الحديث كذلك مع زوجته و أبنائه ،

يرفض الذهاب إلى عمله ،

يرفض الطعام ،

يرسل له رئيس الشركة من يحاول إقناعه بالعودة إلى عمله ،

يرفض استقباله ،

يتقوقع في زاوية غرفة الجلوس في منزله كتمثال شمعي …

بعد عدة أيام تسوء حالته ،

ينقلونه  إلى المستشفى بين الحياة و الموت !.

*****

يحصل رئيس الشركة بطريقة ما على تقرير النيابة العامة :

يقول التقرير :

” تكاثرت الشكاوي في منطقة الشاطئ حول فتح سيارات المواطنين عنوة و سرقة ما بداخلها من أجهزة كالمذياعات و المسجلات ، يزداد الضغط على المخبرين و رجال المباحث ، يشاهدون جواد السيوفي  يتمشى في الصباح الباكر ، يلقون القبض عليه ، و في المخفر يوسعونه ضربا لانتزاع  اعتراف منه ، ثم يدخلون الكلب البوليسي إلى زنزانته ليبدأ بنهش لحمه ، ثم يسجلون أن الكلب قد تعرف عليه !

“و يرى التقرير أن المتهم كان كبش فداء ، و عليه  يقترح  توجيه توبيخ  ( ! )  للمسؤولين عن هذه الفرية . ”

—————————–

*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب