ضج أصحاب المزارع من تكرار سرقة عجولهم و أغنامهم ، جندوا الحراس ، أكثروا من الكلاب ،
ثم ….
طلبوا حماية (مخفر الدرك)* و لكن هؤلاء و اؤلئك عجزوا عن ضبط اللصوص ،
جُن جنون قائد مخفر الدرك في القرية المجاورة ، فأمر رجاله و عددهم قليل ، باعتقال المشبوهين ،
ثم …
اعتقلوا حراس المزارع بتهمة التواطؤ..
جوعوا هؤلاء و اؤلئك ، حرموهم من النوم ، أوسعوهم ضربا و تعذيبا .. دون أن يصلوا إلى اية نتيجة ،
و صارت أخبار اللص الشبح أو اللصوص الأشباح على كل لسان ..
و بدأت الشائعات من كل لون تنتشر انتشار النار في الهشيم ،
إلى أن أبدى إمام جامع القرية رأيه الحصيف ، فقال :
” اللصوص أيها الناس ليسم بشراً ، إنهم من الجن ! “
و منذ تلك اللحظة ، امتنع الناس عن التجول في القرية بعد غياب الشمس ،
فاليوم يخطف الجن العجول و غدا قد يخطفون الأطفال ، و ربما النساء و الرجال …
و نشط من ثم سوق المشعوذين ، يكتبون الأحجبة و يقدمون الوصفات الناجعة ، لمنع أذى الأسياد !!!
أما حراس المزارع فقد استقالوا ..بعضهم احتجاجا على اعتقالهم و تعذيبهم ،
و بعضهم خشية الجن و العفاريت ..
و هكذا ، خلا الجو أكثر و أكثر ، للص أو اللصوص ..
*****
ثمت سيارة شاحنة حولوا مكان الشحن فيها إلى حجرة كبيرة ،
و قفت الآن أمام إحدى المزارع ،
يترجل منها أحدهم و بيده مقص خاص بتقطيع الحديد ،
و ترجل آخر يحمل قطع اللحم المغمس بمخدر قوي ،
يبدأ الأول بمهارة بتقطيع الشبك المعدني الذي يشكل سور المزرعة ،
يفتح ثغرة تصلح لمرور رجل زحفا ،
بينما يلقى الآخر بقطع اللحم إلى الكلاب الهائجة
و إن هي إلا دقائق حتى يغط الكلاب بالنوم
يترجل آخر ،
يتسلل إلى حظيرة الأبقار ،
يطعن ثلاثة من العجول السمينة بمخدر ،
فتخور العجول ألما
ثم ..
تسقط أرضا ، بلا حراك ،
ثم …
يترجل آخرون ،
يتسللون نحو الحظيرة ،
و بسرعة و رشاقة يحملون العجول المخدرة ،
ثم …
يتعاونون معا على رفعها إلى باطن الشاحنة ، الواحد بعد الآخر ،
ثم …
تبتلعهم الشاحنة ،
ثم ….
تتحرك بهم و كأن شيئا لم يكن ..
*****
باطن الشاحنة عبارة عن ورشة عمل كبيرة ،
طاولة مثبتة في الوسط ،
وُضِع فوقها عدة فرّامات ، و مناشير ، تعمل جميعا بالكهرباء ، و تستمد طاقتها من محرك كهربائي ثُبَّت في إحدى الزوايا ..
و على الجدران عُلِّقت سكاكين و سواطير* من مختلف المقاسات ..
و من السقف تدلت عدة ( شناكل )* ، كما تدلت عدة قناديل تشع بإضاءة قوية ..
*****
و بسرعة و رشاقة تم فصل رؤوس العجول عن أجسادهما ،
ثم ..
عُلقت على الشناكل ،
ثم
بدأ الرجال و هم جزارون محترفون ، بعملية السلخ ،
ثم …
بعملية التقطيع ،
ثم …
تولى أحدهم توضيب الأحشاء ،
ثم …
قام آخر بجمع الدماء المراقة فوضعها في دلوين كبيرين ،
ثم …
قام آخر بتنظيف المكان .
*****
كانت الشاحنة فد وصلت إلى دكان الجزار( أبو عيشة ) ، في مركز القضاء ،
و بنفس الرشافة ، نقلت اللحوم و الشحوم و الأحشاء إلى دكانه ،
ثم ….
علقوا قطع اللحم على (الشناكل) في واجهة الدكان ،
ثم …
نقد أبو عيشه رجاله أجرهم ،
ثم …
أخذ يردد باعلى صوته :
” يا رزاق يا كريم ! “
ثم ….
جلس في انتظار الزبائن .
*****
و ذات يوم و بينما كانت شاحنة ( ابو عيشه ) تعبر القرية بعد إحدى غزواتها ، و كانت الشمس قد بدأت تطرد جحافل الظلام ، عبر غلام الشارع متجها نحو المخبز ..
كانت الشاحنة مسرعة ، فقد تأخرت عن أوقات مغادرتها المعتادة ، و لم ينتبه السائق إلى الصبي فدهسه ..
كان بعض الفلاحين في الشارع ،
سمعوا صوت صياح الغلام ، و مكابح الشاحنة ،
فهرعوا نحو موقع الحادث ،
شاهدوا السائق يزيح الصبي المصاب بطريقة وحشية ،
ثم ..
يحاول العودة إلى الشاحنة مسرعا يريد الفرار ..
تكأكؤوا حوله فمنعوه ،
ثم ..
كبلوه ،
ثم …
فوجئوا ببوابة الشاحنة الخلفية تُفتح ،
و بأشخاص يترجلون منها حاملين السكاكين و السواطير ..محاولين فك أسر السائق من قبضة الفلاحين ،
و تشتعل معركة حامية سلاحها الحجارة و السكاكين و السواطر ..
تتجمع أعداد أخرى من القرويين ،
يشتركون جميعا بالمعركة ، التي انتهت بإمساكهم جميعا و تكبيلهم بالحبال ، بعد أن أوسعوهم ضربا ،
ثم …
صعد البعض إلى قلب الشاحنة ،
ليكتشفوا الحقيقة المذهلة !
====================
- الشناكل : علاقات معدنية معكوفة و هي خاصة بتعليق السائمة بعد ذبحها .
- الدرك : شرطة الأرياف ، أيام الإنتداب الفرنسي
- ساطور : سكين عريضة تستخدم لتكسير العظام
====================
سوري مغترب