أقصوصة و حوار
نزار ب. الزين*
وقف ذكر الحمام على غصن عالٍ و قد ملأ فمه بالحبوب التي كان يطحنها في حوصلته على مهل ، تلفت كعادته يمنة و يسرة ، رفع رأسه نحو السماء ، إطمأن لعدم وجود صقور في الجو القريب ؛ توجه الآن إلى عش عائلته ليلقم فراخه .
فوجئ بأنثاه تبكي ، فسألها متعجبا و بشيء من العصبية :
– ما يبكيك اليوم ؟، ألا تملين البكاء ؟ ألم تعوّدي نفسك على ضبط أعصابك ؟ ألم أنصحك مرارا بأن تلقي همومك و أحزانك خلف ظهرك ؟
تجيبه و هي تحاول أن تكفكف دموعها :
– كلما قتلوا طفلاً تخونني أعصابي و أشعر بقلق كبير على فراخي ، فكيف إذا قتلوا عائلة بكاملها كانت تتنزه على شاطئ البحر ؟ أليس لهذا الليل من آخر ؟
تصمت قليلا مطرقة الراس ، ثم تكمل :
– ألا ترى أن ما يجري يدعو إلى الجنون ؟ ألم يعتبر بنو البشر من دروس التاريخ ؟
يقولون أنهم تعرضوا للظلم و العقاب الجماعي و الإبادة الجماعية ، فكيف أنهم يمارسون الظلم و العقاب الجماعي و الإبادة الجماعية ؟
يجيبها و قد تأثر بطرحها :
– بهذا معك كل الحق ، أتدرين ؟ فراخنا كبرت ، و بإمكاننا تركها لبعض الوقت ؛ تعالي نسأل حكيمة الطيور ، فقد نجد لديها تعليلا لما يجري !
*****
– يقولون أنهم تعرضوا للظلم و العقاب الجماعي و الإبادة الجماعية ، فكيف أنهم يمارسون الظلم و العقاب الجماعي و الإبادة الجماعية ؟
ابتسمت البومة – حكيمة الطيور – ثم قالت :
– قانون الطبيعة المادي يؤكد : ” أنه لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ” و لكن رد الفعل الإنساني يختلف و يتجاوز حكم الطبيعة ، فقد يكون حجم رد الفعل لديهم أضعافا مضاعفة ، و قد يتحول إلى جهة أخرى أو جهات أخرى ، و قد يؤجل عشرات أو مئات السنين …
و في حالة الناس الذين تتحدثان عنهم ، فقد أضمروا فعل مئات السنين بهم من التشرد و الإضطهاد و الشعور بالدونية و تلقي العقوبات الجماعية و الإبادة الجماعية ، و إذ لم يتمكنوا من رده الفوري أرجؤوه إلى الوقت المناسب ، و جاء الوقت المناسب على حساب الشعب الفلسطيني ؛ أي أنهم أرجؤوا ردود فعلهم ثم حولوها إلى غير الجهة التي مارسته عليهم ، و بقوة تعادل أضعافاً مضاعفة مما تعرضوا إليه .
صرخت الحمامة البيضاء و قد تملكها الغضب :
– هذا ظلم و وحشية !…
فأجابتها حكيمة الطيور ساخرة :
– و هل كنت تعتقدين أن البشر يتذوقون أو يدركون طعم العدالة ؟
إنهم أكثر المخلوقات بعدا عن العدالة …
و إن قانونهم لا زال قانون الغاب …
و أن قويهم لا زال يستعبد ضعيفهم …
عودي إلى فراخك ..
اهتمي بها ..
و اعرفي كيف تحميها من بطش الأقوياء …!
———————–
سوري مغترب