قصة واقعية

نزار ب. الزين*

   حدثني صديقي جمال فقال :

 هل تتصور أن إنسانا ما يمكن أن تتحول عقائده من أقصى التطرف الديني إلى اقصى التطرف العلماني ؟

أي من النقيض إلى النقيض …

أو كما يقول العامة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ؟

هذا ما حصل بالضبط بيني و بين صديقي السابق رضوان .

   زاملته منذ بداية حياتنا الدراسية ثم ما لبثت زمالتنا أن تحولت الى صداقة حميمة ، فعلى الرغم من اختلاف مستوياتنا الاقتصادية و الاجتماعية فقد استمرت صداقتنا و بتشجيع من أهلينا ، كنت أزوره في المناسبات و الأعياد فتستقبلني أمه الأرملة و جدته العجوز بآيات الترحيب و التكريم و اذا ما زارنا فان والديّ ما كانا أقل ترحيبا به و تكريما له .

و كبرنا معا ، حصلنا على الشهادة الابتدائية معا و انتقلنا الى المرحلة الثانوية معا ، كان يمتاز عني في المجال الدراسي و كنت أمتاز عنه في المجال الاقتصادي ، الا أن ذلك لم يؤثر على علاقتنا ، كنا نلعب معاً و يشاركنا اخوتي أو اخوته أحيانا ، كنا ندرس و نذاكر معا ، و حين يحين وقت اللهو كنا نلهو معا ، الى السينما تارة أو ملاهي الأعياد تارة أو نشارك في الرحلات المدرسية تارة أخرى ، و التقطت لنا معا عشرات الصور في أعمارنا المختلفة ، و عند قيام المظاهرات – و ما أكثرها في أواخر عهد الانتداب الفرنسي – كنا نسير جنبا الى جنب و نهتف بسقوط الاستعمار بصوت واحد ، ثم حالما تنتهي المظاهرة نعود أدراجنا الى بيت أحدنا فنتحدث أو ندرس أو نلعب الورق  .

و في الصفوف الأخيرة للمرحلة الثانوية أصبحنا متقاربين سياسيا أيضا و عملنا مع آخرين على تشكيل ندوة تهدف الى خدمة القضايا العربية .

 و لكن في السنة الأخيرة و بدون ادراك مني للمقدمات  تغيرت اتجهاته القومية إلى دينية حتى التطرف ، أما تفوقه الدراسي فقد أهله للالتحاق باحدى بعثات الحكومة الدراسية إلى فرنسا ؛ و ليلة وداعه تناقشنا كثيرا مع أصدقائنا المشتركين حول التيارين القومي و الديني فأكد لنا أنه يخطط لأن يكون داعية دينيا.

كتب لي الكثير في السنتين الأولتين من بعثته مؤكدا كل مرة خطه الديني و واصفا بفرح غامر ما يحققه من نجاحات و فجأة انقطعت أخباره .

و ذات يوم قٌرع باب منزلنا و لدهشتي الشديدة كان هو ، رحبت به كما رحب به جميع من في الدار و هنأناه جميعا لحصوله على درجة علمية متقدمة .

 و بعد عدة زيارات فاتحني برغبته بمصاهرتي ، و أنه ينوي أن يطلب يد كبرى شقيقاتي ، و بدون نقاش قبل به والديّ صهرا  و لم تعارضهما شقيقتي و تمت الخطوبة .

و لكن ما  لبثت  شقيقتي  أن  بدأت  تتذمر من بعض  تصرفاته و ذات يوم  جاءتني غاضبة:

– (( صاحبك لديه  صديقة  فرنسية  سوف  يستقبلها غدا ، دعاني لمرافقته  الى  المطار فرفضت ! ))

صديقة فرنسية لداعية ديني ؟! تساءلت ، ثم عزمت على أمر .

منذ الصباح الباكر و بعد يومين اثنين قرعت بابه ، رحب بي و لم  يملك الا  أن  يدعوني للدخول .  و تحت ظلال ( الليمونة ) التي طالما تفأينا بظلها ، و على جانب البحرة الدافق ماؤها ، جلست فتاة في ريعان الصبا و في غاية الجمال مرتدية منامة بيضاء تشف عن صدرها العاري و ساقيها البضتين  ثم قدمني اليها و قدمها اليّ فهي صديقته ( مونيك ) جاءت كسائحة  و هو سيكون مرشدها السياحي !!!!!.

– أين الأهل ؟

 سألته بعد أن لاحظت هدوءا غير عادي …

– هم في مصيف( مضايا) لبضعة أيام . .

و بعد عبارات المجاملة انصرفت ، و قد اتضحت الصورة أمامي !

ثم بادر أهلي على الفور إلى ارسال هداياه القليلة التي قدمها لشقيقتي و إبلاغه  و أهله أن الخطوبة قد فُسخت .

 كان ذلك اليوم هو اليوم الأخير من علاقتي به التي استمرت خمسة عشر عاما أو تزيد ،

 ثم علمت فيما بعد أنه تزوج ( مونيك ) و التي ما لبثت أن جرّته معها الى فرنسا !!

—————————–

*نزار بهاء الدين الزين

 سوري مغترب