قصة قصيرة

   نزار ب. الزين*

قُبل الدكتور ماهر  في  مستشفى الصوفية الخاص  كطبيب طوارئ في البداية ، و بسرعة مدهشة أثبت جدارته كطبيب ماهر في مهنته ، إنساني في سلوكه ، حتى أصبح محل احترام  مرضاه و زملائه و رؤسائه على السواء .

و بعد أقل من سنة ، رُقي إلى طبيب مسؤول عن أحد الأجنحة ، فكانت سعادته لا توصف  ؛ و إذ شعر  أنه استقر ماديا و معنويا أقدم على الزواج ، و قد شاركه فرحته جميع زملائه بمن فيهم مدير المستشفى .

و ذات يوم ، استدعاه مدير المستشفى …

كان المدير متجهم الوجه ، عاقد الحاجبين  ، محمر المقلتين ، اضطرب الدكتور ماهر حين رآه في هذا الحال ، فتوجس شرا و أخذ يضرب أخماساً بأسداس ؛ و بصعوبة بالغة أخرج المدير كلماته المفجعة :

– أنت مُسرح يا دكتور ماهر !!

أُصيب الدكتور ماهر بالذهول و هو يتساءل :

= مسرح ؟ بأية جريرة ، ما الخطأ الذي ارتكبته ، بِمَ قصرت ؟ أرجوك أجبني قبل أن أفقد صوابي !

أجابه و هو يهز رأسه أسفا :

– إنها أوامر عليا …

   يتساءل و قد شحب وجهه حتى شابه وجوه الأموات :

   = و من أنا حتى تهتم بي السلطات العليا ؟ أنا لم أنتسب طيلة عمري إلى أي حزب سياسي ، و لم أهتم طيلة عمري بالسياسة و قذاراتها …

   يصمت مدير المستشفى طويلا و قد دمعت عيناه ثم يجيبه بصوت متحشرج :

   – أنت من خيرة أطباء المستشفى يا دكتور ماهر ، صدقني ؛ لا علم  لي – و الله – بالسبب الحقيقي لهذه الأوامر ، و كل ما بوسعي قوله ، هو أن الأمر مذيل بتوقيع مدير المخابرات العامة ، و أقترح عليك مراجعته .

*****

   توجه في اليوم التالي إلى مبنى المخابرات العامة ، طلب مقابلة المدير العام ، سمحوا  له – فقط –  بمقابلة أحد الضباط  ،حيث جرى  بينهما الحوار التالي :

   = أنا الدكتور ماهر أحمد .

   –  تشرفنا ، هاتِ ما عندك بسرعة فلدي اجتماع وشيك .

   =  لقد أمرتم بتسريحي من مستشفى الصوفية ، هل لي أن أعرف السبب ؟

   – ملفك معي ، أنت حصلت على شهادتك من جمهورية الواق الواق ، هذا هو ذنبك !

   = و لكن نقابة الأطباء اعترفت بشهادتي !

– ليس الموضوع موضوع شهادة ، بل موضوع المكان ، الحكومة لا تنظر بعين الإرتياح لخريجي جامعات  جمهورية الواق الواق .

= و لكن لم يخبرنا أحد بعدم الإرتياح هذا ..

–  إنها أوامر عليا و السلام …..

= و لكن بلادنا على علاقة  ممتازة مع  جمهورية الواق الواق ، كتائب من جيشنا تساعد جمهورية الواق الواق في حربها ضد جمهورية قورش ، و مليكنا اعتاد على زيارة رئيس جمهورية الواق الواق من حين لآخر معربا عن دعمه المتواصل له ، أمس فقط عاد من هناك و قد شاهته بالتلفاز مرتديا بذته العسكرية .

– دكتور ماهر ، انتهت المقابلة !

= و لكن  هذا ظلم يا حضرة الضابط .. و ….

يصيح الضابط غاضبا :

– كلمة أخرى ، و أزج بك في غياهب السجن !

ينادي أحد العناصر ، يأمره :

– اصطحب الدكتور ماهر حتى الباب الخارجي .

——————

*نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب