أقصوصة

نزار ب. الزين*

        عندما  توفي الأمير الكبير ، حزن عبد الحميد حتى البكاء ، فقد كان الأمير طيب القلب ، عطوفا على شعبه و على ضيوف أمارته من العمال و الموظفين ، سواء بسواء ، فقدم لهم الكثير الكثير من الإصلاحات و نفذ الكثير الكثير من وعوده يوم تبوأ منصبه ، فبنى بيوتا لذوي الدخل المحدود مقابل أقساط مريحة ، و أمر بشق شوارع و طرقات جديدة لتستوعب الضغط المروري الهائل ، و أصلح نظام العلاج الطبي ، و أمر ببناء المدارس و المستشفيات ، و الأهم من هذا كله فقد رفع مستوى رواتب الموظفين و العمال بدون تمييز لتتناسب مع التضخم المالي الذي اكتوى بناره الكثيرون ، و كان عبد الحميد من المنتفعين بهذه المكرمة الأميرية التي أنعشته و جعلته يشعر بالفضل و الإمتنان.

و في يوم التعزية ، ترك أدواته التي يستخدمها في جمع القمامة ، و توجه مسرعا نحو قصر الأمير ، ثم وقف في طابور طويل ، تحت لظى شمس حارقة ، ينتظر دوره لتقديم واجب العزاء … كان الطابور طويلا يصل إلى حوالي كيلومترين كما وصفه مذيع التلفزة ، و استغرق الوصول إلى بوابة القصر أكثر من ساعة ..

كانت مشاعره مزيجا من الحزن الشديد على الفقيد الكبير ، و الفرحة العارمة لوقوفه بين شخصيات البلد من وزراء و سفراء و وجهاء ، و مشاركتهم في اهتمام الصحافة المطبوعة و المسموعة و المرئية بهم .

ستظهر صورته في التلفزة و سيراه أولاده و أقاربه و أصحابه ، في قريته النائية حيث مسقط رأسه على بعد مئات الكيلومترات ؛ لم يعد ذلك النكرة عبد الحميد أبو ليلى عامل النظافة المركون على هامش الحياة ، فقد ترقى إلى مرتبة إنسان إعتبارا من هذا اليوم المشهود .

دخل القصر مع الداخلين ، و ابتدأ في مصافحة أفراد العائلة الأميرية ..

و على حين غرة …

تنبه إلى وجوده إبن الفقيد  و هو أيضا وزير..

ترك العائلة الأميرية المصطفة لتقبل التعازي ، و اندفع نحو عبد الحميد ، الذي ميزته ملابسه الصفراء* …

و أمام عدسات التلفزة ..

دفعه بعيدا عن طابور المعزين بكل ما يملك من قوة ..

ثم

 دفعه ثانية حتى ألقاه أرضا ..

ثم

اندفع نحوه عدد من رجال الأمن ، فبينوا له حجمه الحقيقي بأساليبهم المعروفة  …

ثم

و بسرعة مذهلة تحول إلى كيس قمامة ، ما لبث أن ألقي به في إحدى الحاويات ، بعيدا خارج القصر .

==============

* الملابس الصفراء : زي موحد لعمال النظافة

==============

*نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب