قصة قصيرة

 نزار ب. الزين*

   هي  فاتنة..جذابة.. مغرية .. ساحرة …

تحمل كل الصفات .

صفات  يحلم  بها الشيوخ قبل المراهقين و الشبان  .

و هي غنية ، غناها فاحش ، يعادل كل ثروات البلاد .

فهي مكللة بتيجان الماس و الزبرجد ،

و مرصعة الجيد بعقود اللؤلؤ و الجواهر ،

و الذراعين بأساور الذهب و اللجين ،

و القدمين بخلاخيل العقيق و الفيروز ،

ملتفة بالحرير و الديباج ،  أينما تحركت ،

و محاطة  بوسائد الفراء و ريش النعام ، أينما جلست أو اضطجعت…

***

من ينل وصالها لن يتمكن أبدا من الإفلات من سحرها ،

و لن يفكر أبدا بهجرها ،

مهما قست عليه الظروف أو داهمته الأخطار …

فمن أجل عينيها ، يقتلون …يصلبون .. يحرقون… يدمرون !!!

و من أجل عينيها  يفتك الإبن بأبيه  و الأب بابنه …

و الربيب بولي نعمته ، و الولي بربيبه …

و للإحتفاظ بوصالها ، مع الشياطين يتحالفون !!!!…

 

*****

لقطة من تاريخ بعيد

يحكى أن أميرا أندلسيا ، انتقل إلى رحمة ربه و كان قد  أوصى لإبنه ذي الحادية عشر بالأمارة من بعده ،و لكن أمه تحالفت مع  الحاجب (وزير البلاط)  فأبعدته عن الناس و عن الملك ، و ألهته بما يلهي الصبيان ، ثم أخذت تستمتع  بالأمر أو النهي ، و التوظيف أو قطع الأرزاق ،  والإعتقال  أو تعذيب الأجساد  ، و كان حاجبها يحرضها و يشجعها حتى باتت أميرة مستبدة فاقت الرجال بجبروتها و طغيانها ، فكرهها الخاصة و العامة  ؛ و لما أن نضجت خطته  و أصبح الجو مؤاتيا ، إنقض عليها ؛ فأبعد وزراءها ، ثم  سجنها في غرفة في قصرها بجوار ولدها ،  ثم تولى مقاليد الأمور .

و بدأ من ثم  يبني لنفسه الأمجاد ..

لم يطرد و لم يعتقل و لم يعذب ،

بل وجه الناس لخوض حروب لا نهاية لها حتى بلغت أكثر من خمسين وقعة ، كما لم يفته تشييد القصور التي عمرها  بالحدائق و السواقي و ملأها بالجواري و العبيد.

و فجأة أفلست خزانة الدولة فانهارت …

و ما أن أسلم الروح حتى كانت الأندلس قد تفككت و تفتت إلى دويلات ضعيفة أو ما أسموه بممالك الطوائف ..

ثم ….

ظلت تلك  الطوائف تتناحر و تتناحر و تتناحر ، و ظلت تستعين  بملوك الفرنجة على بعضها بعضا ، و ظل ملوك الفرنجة يبتزونها مقابل كل عون ،حتى استنزفوها …!

و كانت تلك  بداية النهاية  لحكم عربي في الأندلس … دام ثمانمائة عام !.

 

*****

 و لقطة من تاريخ قريب

و يحكى أن ملكا عربيا لم تعجبه الوصاية الأجنبية ، فدبروا له حادث سيارة ، ثم ولوا ابنه الطفل مكانه ، ثم  ولوا خال الطفل وصيا على العرش ،ثم  ولوا أحد أعوانهم رئيسا للحكم ،

و ظل الملك الصغير  لا حول له و لا قوة ؛ أبعدوه  عن الناس و عن الملك ، و ألهوه  بما يلهي الصبيان . ثم أخذ  الخال الوصي على العرش يغرق بمسارته ، فاستبد الوزير الأول و طغى  و تجبر .

عندئذ ثار الحس القومي في نفوس ضباط الجيش ، فانقلبوا على الحكم و طردوا الملك الصغير و خاله و الوزير العميل .

و لكن كعادة بني يعرب استنجدوا  بالفرنجة ، و إن هي إلا أسابيع حتى عاد الثالوث – الملك الصغير و خاله الوصي على العرش و وزيرهم العميل – خلف جيش من العرب الأقارب ، و بدعم من الفرنجة المستعمرين ،و اشتعلت من ثم  حرب ضروس راح ضحيتها آلاف الشهداء ، و أحاق الدمار بالمدن و الممتلكات .

و قد قدر لهذه الطغمة أن تعيث بالبلاد فسادا ربع قرن آخر ، قبل أن ينقلب عليها الجيش من جديد !..

*****

و يحكى … و يحكى … و يحكى

و لازال يحكى و يحكى و يحكى

*****

إنها الغانية التي عشقوها..

و كان و لا زال بنو يعرب أكثرهم عشقا  لها ..

يتناحرون من أجل  بسمة من شفتيها

و يستعينون بالغرباء لخطب ودها….

و يخوضون الحروب ، و يشعلون الفتن ، و يضحون  بالمال و الرجال ،

من أجل التبرك بطرف ثوبها ..

منذ معاوية و المنصور ،

ربما قبلهما ..

و منذ  سيف الدولة  و الحاكم بأمر الله الفاطمي ،

و ما بعدهما..

وصولاً إلى ……

ملوك العصر غير المتوجين …

*****

عشقها بنو يعرب حتى الثمالة.

و أنا عربي حتى الثمالة..

و لكن صدقوني ..

أني ما عشقتها قط..

و لا حتى أحببتها ..

=======================

*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب