ق ق ج
نزار ب. الزين*
.
-1-
كانت ولادته عسرة ، و عندما تمت ولادته كان قد أصيب بالإختناق الولادي ، و أصبح نصيبه من الدنيا الإعاقة الدائمة .
الجسد ينمو …و المخ متوقف عن النمو ..
و لكن جسد سامر ظل ينمو و ينمو ، إلا أنه لا يستطيع خدمة نفسه ، هو طريح الفراش ليل نهار ، بحاجة لمن يطعمه ، و لمن يغير له حفاظته .. لا يتحرك منه إلا فمه ، فإذا جاع يموء كقطة ، و إذا قدمت له الرضَّاعة يلتهم ما فيها بثوانٍ …
كبرت الأسرة و أصبح لسامر شقيقتان حلوتان صحيحتا الجسم و العقل … و لكن سامر لا زال ينمو بلا عقل ، مسببا الكآبة المستمرة لوالديه…
بلغ الآن السابعة من عمره ، ازداد وزنه ، و ازداد مع وزنه عبؤه …
انتسبت شقيقتاه إلى الروضة ، و لكن سامر لا زال منتسبا إلى فراشه ، لم يحرز اي تقدم رغم جميع المحاولات و التكاليف الباهظة بإشراف طبيب متخصص ..
و خلال موجة اكتئاب ، و في لحظة يأس ، قررت أم سامر امرا …..
بعد حوالي أسبوعين ، أستدعي طبيبه على عجل ، فقد كان سامر في النزع الأخير ….
قال الطبيب : ” لقد تأخرتم ؟ تأخرتم كثيرا .. فقد فارق سامر الحياة ، ربما قبل دقائق من وصولي !”
ثم …
أضاف مستغربا : ” يبدو و كأنه مات جوعا ! “
ثم ….
و بعد تردد و بعد أن تناول أجره مضاعفا ، كتب شهادة الوفاة ،
ثم ……
ختمها بعبارة : “موت طبيعي” .
-2-
كان فواز قرة عيني والديه ، فقد أقبل إلى الدنيا بعد أربع بنات ،
كان محل عناية والديه و شقيقاته ،
كان بالغ النشاط ..بالغ الذكاء .. بالغ اللطف ،
في المدرسة كان من المتفوقين ،
هو الآن في الصف الثاني الإعدادي و لا زال مستمرا بتفوقه و محل إعجاب أساتذته و حب زملائه ..
عاد ذات يوم إلى بيته و قد اشتعل رأسه بالحمى ..
“أشتبه بالتهاب السحايا ، يجب نقله إلى المستشفى في الحال ..” قال الطبيب لوالديه .
صاعقة نزلت على رأسيهما ..
كارثة حلت بشقيقاته …
زلزال هز البيت ..
و في المستشفى ، عندما تمكنوا من تخفيض حرارته بعد أيام عصيبة ، كانت معظم خلايا مخه قد تلفت ..
“نجا من الموت و لكنه لم ينجُ من الإعاقة…” ، قال لهما الطبيب متأسفا ..
ثم …
تزوجت شقياقته الواحدة إثر الأخرى
ثم ….
التفتت كل منهن إلى شؤون أسرتها ..
و لكن جسد فواز ظل مشلولا ، طريح الفراش ليل نهار ، بحاجة لمن يطعمه ، و لمن يغير له حفاظته .. لا يتحرك منه إلا فمه ، فإذا جاع يموء كقطة ، و إذا قدم له الطعام ازدرده بصعوبة.
ثم …
تتالت الأيام … و تقدم الوالدان بالعمر .. و لكنهما ظلا حريصين على خدمة فواز ,, بلا كلل أو ملل أو لحظة تذمر ..
ثم ….
توفيت أم فواز …
و لكن أبا فواز ظل قائما على خدمة ابنه بلا كلل أو ملل أو لحظة تذمر ..
و حتى اليوم … و قد تجاوز أبو فواز الثمانين حولا و أنهكته أمراض الشيخوخة….لا زال قائما على خدمة ابنه ..
تتناوب بناته على مساعدته من حين لآخر .
===============
سوري مغترب