أقصوصة

نزار ب الزين

الزمان : أواسط العقد الأول من القرن العشرين

المكان : بلدة عربية صغيرة ، شحيحة الموارد

و لشح الموارد و خاصة بعد أن جف النبع الرئيسي ، اندفع شبانها نحو العاصمة سعيا وراء اي عمل ، أما سعيد الحظ فهو من يتمكن من الهجرة إلى الخارج ، و كان محمد الدرويش من سعداء الحظ ؛ ترك زوجته و طفلته ذات السنتين في عهدة والديه ، ومضى إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية …

تراسل من مهجره مع عائلته ، و أرسل لهم دفعات مجزية من النقود لمدة ثلاث سنوات ،

 ثم ….

 انقطعت أخباره ….

جن جنون زوجته التي نهشتها الغيرة و الوساوس ، و التاعت والدته التي انتابها كل حالك من الأفكار ، أما والده فوقع فريسة الذهول ..

و ذات يوم …

اقترحت إحدى القريبات ، زيارة عرافة في قرية مجاورة ، ذاع صيتها كضاربة “مندل” ؛

جلست العرافة فوق حصير على الأرض ، و جلست عائشة زوجة محمد الدرويش و حماتها قبالة العرافة ، و في الوسط بينهن ثمت وعاء نحاسي كبير امتلأ حتى منتصفه بالماء ..

و قد أضفى صوت العرافة الأجش و هي تتلو الأدعية، مقترنا بضعف الإنارة ، بعض الرهبة ، و التي زادها اهتزاز الوعاء و ما فيه من الماء كلما ارتفع صوت العرافة !!!!

ثم ..

و بكل ثقة ، أكدت العرافة أن محمد الدرويش ظهر لها على صفحة الماء …

ثم …

أضافت : أنه حي يرزق ،

ثم ….

مقاطعة صياح الإمرأتين الجزلتين ، أضافت :

– لكنه متزوج من فتاة أجنبية شقراء رائعة الجمال ، و حوله ثلاثة أطفال ذكور ..

ثم ……

عادت الإمرأتان إلى منزلهما منهارتين ، و قد لفهما اليأس ..

و لكن ….

الفرحة ما لبثت أن عادت إلى العائلة بعد أقل من أسبوع ، فبدون سابق إنذار ، عاد محمد الدرويش من مهجره سليما معافى ،

و لم تكن برفقته غير حقائبه ،

لم تكن معه شقراء ،

و لا ثلاثا من الأبناء الذكور !!!

و كان عذره عن انقطاع التواصل ، انتقال أعماله إلى منطقة غابات الأمازون ، حيت المواصلات و الإتصالات كانت شبه معدومة ….

الزمان : أواخر العقد الأول من القرن الحادي و العشرين

المكان : بلدة صغيرة شحيحة الموارد الطبيعية ، إلا أن كل من زارها شعر بانتعاش سكانها ، فقد غيرتها إلى الأفضل نقود الشبان المهاجرين ….

و في أحد بيوتها الفاخرة ، جلست سحر فوق وثير طويل ، و قد التف حولها  والداها و حمواها و طفلاها ،

ثم ..

رفعت  غطاء جهاز ألكتروني أسمته سحر ساخرة : “المندل” ..

ثم …

ضغطت على بعض الأزرار ،

ثم ….

سمعوا نغمة موسيقية جميلة ، تكررت عدة مرات ..

ثم ……

ظهرت صورة  محمد الدرويش ، الحفيد السادس لمحمد الدرويش الجد الأعظم ، و الذي يعمل “فني حاسوب” في إحدى الدول الاسكندنافية ،

ثم ……..

أخذ الجميع يحاورونه و كأنه بينهم ، و قد غمرتهم السعادة …

 نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب