أقصوصة واقعية

نزار ب. الزين*

     هل انتحرت سونيا ؟ هل أصابها مس من الجنون ؟ هل آثرت العزلة ام أنها تعاني من حالة إكتئاب ؟ أم أنها ترقد في أحد المستشفيات إثر أزمة قلبية ؟ أم تراها غادرت الولاية  إلى غير رجعة ؟

بهذه التساؤلات بدأ صديقي  قصته ، ثم تابع و قد غمرته الحيرة و أمضه الأسى :

منذ الصباح ، أخذ الجميع في النادي يتهامسون ، و الكل حزين على ما أصاب سونيا  المسكينة ..

المكان :  أحد نوادي المسنين  في مقاطعة البرتقال ، حيث يقضي المسنون  أوقاتا ممتعة  في لعب الورق ، البلياردو ، المطالعة ، مشاهدة الأفلام المتلفزة ، أو الأشغال اليدوية النسائية  ، و مرة أو مرتان أسبوعايا  ، تعزف الموسيقا الراقصة لفرقة من المتطوعين المسنين أيضا ، ألحانا لمحبي الرقص الثنائي الغربي ..

الزمان : منذ بضعة أيام ….

و لكن قبل ذلك ، كان روبرت الذي تجاوز الثمانين منذ بضع سنوات ، مثاليا – و الحق يقال – في عنايته بزوجته المريضة  إلى أن وافاها الأجل ….

و نحن في نوادي المسنين نسمع كل  بضعة اسابيع عن زميل أو صديق قد رحل إلى الملأ  الأعلى ، فنأسف عليه و لا شيء غير الأسف ، لأننا جميعا هنا مقتنعون أننا  مصطفون في الطابور في انتظار دورنا ، فنحن  و الحال  هذا  غارقون في الوجودية حتى  شحمة الأذنين .

ففي الأسبوع التالي لوفاة  زوجته ،

حضر  روبرت إلى النادي ،

عزيناه …

و تقبل عزاءنا شاكرا ..

و إذ عزفت الموسيقا  ، طلب إحداهن للرقص ، فرقصا سويا !…..

و لأنه غني ، بدأت العجائز الأرامل يتقربن  إليه ، و هن في النادي كثيرات كثيرات ، فكما هو معروف فإن النساء يعمرن أكثر من الرجال .

و في الأسبوع الثالث لوفاة المرحومة زوجته ،

أعلن أنه تزوج من سامنتا …

هنأناه و باركنا لهما من كل قلوبنا ….

في الأسبوع السادس لوفاة المرحومة زوجته ،

حضر  إلى  النادي  وحيدا ، سألناه : ” و أين  عروسك  سامنتا ؟ ”  فأجاب  ببرود : ” لقد انفصلنا ! ”

و عندما عزفت الموسيقا شوهد يرقص مع سونيا ،

ثم لم يعد يرقص سوى مع سونيا ،

ثم لم يعد يحضر إلى النادي إلا برفقة سونيا،

و أصبحت سونيا  و هي في السبعين تعتني بهندامها و زينتها  ، كما لم تفعل من قبل !

تهافتت على روبرت تهافت فراشة اجتذبها النور !!

كانت كمراهقة في أولى تجاربها العاطفية !!!

كانت تنظر إليه بوَلَه ، و تضمه بشغف ، ربما خشية أن يختطفه منها أحد …

تعلقت به باندفاع جنوني ، بينما كان يختال أمامها كالطاووس ..

و في الأسبوع الثامن لوفاة المرحومة زوجته ،

و أمام ذهولنا جميعا ……

حضر روبرت برفقة زوجته الثانية سامنتا  ، و هما يتضاحكان !!!

و اختفت من ثم  سونيا المسكينة عن الأنظار…

ترى هل كان روبرت يستخدمها وسيلة لتركيع زوجته الثانية سامنتا ؟

ترى هل انتحرت سونيا ؟

هل أصابها مس من الجنون ؟

هل آثرت العزلة ام أنها تعاني من حالة إكتئاب ؟

أم لعلها ترقد في أحد المستشفيات إثر أزمة قلبية ؟

أم تراها غادرت الولاية  إلى غير رجعة ؟

***************
*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب