أقصوصة

نزار ب. الزين*

في أحد نوادي المسنين ، لفتت نظر /فرناندو/ إحداهن ، تقدم منها  فازداد يقينا ، تقدم منها أكثر ثم حزم أمره :  “عذرا سيدتي ، ألست /سامنتا ماثلوك/  زميلتي في جامعة بركلي ؟ في أربعينيات القرن الماضي ؟ ” التفتت إليه باهتمام ، ركزت بصرها نحوه ، تأملته مليا ، ثم صاحت جذلة : ” الست فرناندو أغرياس ؟ ” و بصعوبة بالغة تمكنت من الوقوف ثم من معانقته ؛ و بدءا من ثم  في حديث ذكريات موغلة في القدم ….

و على أنغام فرقة “جون بيري” الموسيقية ، طلبها للرقص ” و لكن لا تسرع كما كنت تفعل ايام الجامعة ، فآلام ظهري أرهقتني و أقضت مضجعي ! ” قالت له راجية  فأجابها ممازحا : ” و لكنك لا زلت شابة يا /سامنتا/  لم تبلغي المائة بعد ” فضحكت و هي تجيبه : ” لا زلت خفيف الظل كما كنت يا فرناندو ” .

اثناء الرقص سألها جادا : ” سامنتا ، أين مركز الألم بالضبط ؟ ”  فاشارت إليه ؛ و في حركة تمثيلية ، توقف عن الرقص ، ثم وضع راحة يده اليمنى فوق مركز الألم  ، ثم راحة كفه اليسرى فوق جبينها ، ثم أخذ يتمتم بعبارات غير مفهومة  ، ثم سألها مبتسما : ” هل تشعرين بتحسن ؟ ” ثم انفجر ضاحكا ؛ و لكنها تسمرت في مكانها و هي تنظر إليه بذهول شديد ، ثم سألته بشفتين مرتعشتين :

– لا تقل  أنك كنت تمزح  !

أجابها في الحال :

– بل كنت أمزح ، عذرا إن كنت أغضبتك سامنتا ؟

فردت  عليه  و قد  بلغت  فرحتها  المختلطة  بالدهشة  ذروتها :

–      بل حررتني من آلامي أيها العزيز فرناندو ، منذ متى تمتلك  قواك  الخارقة هذه  يا رجل ؟

و كالنار في الهشبم انتشر خبر فرناندو في النادي ، فكل لديه أوجاعه ، أليسم في نادي المسنين ؟  ” يا أصدقائي الأعزاء و الله كنت أمزح و تعرفني سامنتا أنني أحب المزاح مذ كنا زميلين  في الجامعة ، و حتى سامنتا تمازحني الآن و تمازحكم بنشر هذه الإشاعة ، فكل الأمر مزاح بمزاح ! ” خاطبهم فرناندو و قد بدا عليه بعض الضيق  .

” و لكن سامنتا لا زالت تؤكد أن آلامها زالت ! ” قال له أحدهم ثم أضاف : ” لا تكن لئيما فرناندو ! ” ؛ قال له آخر : ” أنا أرضى أن تعالجني حتى لو كنت تسخر مني ، فأنا أعاني من تصلب مفاصل ركبتي اليمني منذ مدة طويلة و لا تضيرني التجربة ، أرجوك مارس معي مزاحك !”

و أمام إلحاحهم الشديد رضخ لتوسلاتهم  ، فجميعهم أصدقاؤه ، و كلهم مسنون يعانون  ، و لذهوله  الشديد  كانوا يصرحون الواحد بعد الآخر ، أن آلامهم زالت تماما !!!!

ثم  و بصعوبة بالغة تخلص من حصارهم و غادر إلى بيته ، في حالة مزرية من الإرهاق و التشوش الفكري ، و ظل طوال الطريق يتساءل : ” هل حقا أني أملك قوى خارقة ؟ و منذ متى ؟! ” و عندما وصل إلى منزله كان قد اتخذ قراره : ” لن أسمح لنفسي أن ألعب هذه اللعبة الخطرة ثانية ، حتى لو خسرتهم ، و لن أسمح لنفسي و أنا  قد تجاوزت الثمانين من عمري ، أن أدخل السجن بتهمة الشعوذة ” !!!

بعد حوالي أسبوعين ، و في ولاية أخرى ، جلس فرناندو على شرفة منزله الجديد يتأمل سحر الطبيعة من حوله …

فسرح  مع  ذكرياته  إلى  حيث  توالت  الأحداث  في  الشهر الماضي :

تجمُع الناس أمام منزله منذ الصباح الباكر كل يوم من تلك الأيام العصيبة ، طلبا للمسته السحرية !!!

       ثم …

حصار رجال الصحافة و التلفزة و إمطاره بالأسئلة المزعجة و كتابة التقارير المثيرة !!!

ثم ….

دعوته  لمقابلة  لجنة  من  كبار  العلماء  و الأطباء  لفحص  قواه  الخارقة  المزعومة .

ثم …..

اتفاقه مع أحد مكاتب العقارات على بيع بيته ..

ثم ……

تسلله ذات ليلة و هروبه بما خف حمله !

 بعد عزلة طويلة ، توجه إلى أحد المطاعم ، و هناك تقدم منه أحد الزبائن متسائلا و قد رسم على وجهه ابتسامة عريضة:       ” عفوا سيدي ، ألست السيد  / فرناندو أغرياس / المعروف بقواه الخارقة ؟ ”

*نزار بهاء الدين الزين

سوري مغترب