أقصوصة

نزار ب. الزين*

.

تصرخ :

” اريد طفلي .. ” ، تحاول الممرضة تهدئتها ، تزداد هياجا و صياحا : ” أريد طفلي .. لن اسمح لكم بقتل طفلي ….” يقترب منها الطبيب محاولا إقناعها : “أريد فقط فحصك من الداخل ….ثقي بي يا روز … ” يعلو صياحها أكثر و أكثر : ” أنت كاذب .. كلكم تكذبون .. لن أسمح لكم بقتل طفلي ..! ” تحاول  الممرضة  أن تحقنها بسائل مهدئ .. تنتزع الحقنة من يدها  بشراسة و تلقيها بعيدا .. ثم … تستمر في صياحها أكثر فأكثر : ” أريد طفلي …لن أسمح لكم بقتل طفلي .., !!!”

   في حفلات نادي المسنين* الصباحية تحضر روز مع زملائها المعوقين عقليا حيث خصص لهم ركنا دائما قاعته الكبرى ، إلا أنها تمتاز عنهم بنشاطها و عشقها للخدمة العامة ، تراها تساعد في تركيب الزينات في المناسبات الأمريكية الكثيرة التي يحب المسنون الإحتفال بها ، و تهب لنجدة عازف الغيتار الضرير “هوزي” ، فما أن تراه حتى تسرع للإمساك بيده و إرشاده إلى مكانه و تعاونه بتركيب مجسم الصوت خاصته ، و عندما تبدأ الفرقة الموسيقية عزفها- و أعضاؤها جميعا من المسنين المتطوعين-  تقف قرب الفرقة ثم تمسك بيدها لعبة على شكل ناقل الصوت ” مايكروفون” ، ثم … تقربه من فمها ، و تبدأ بالغناء مع مغني الفرقة ، و لن يعرف أحد أنها تردد بعض العبارات غير المفهومة إلا إذا اقترب منها .

الكل يسايرها ، و الكل يعاملها يإشفاق ، و لم يصدف أن سخر منها أحد أو جرحها بكلمة …

   و ذات يوم أمسكت بيد أحد زملائها و أخذت تجول بين الطاولات ، تعرف جلسائها على خطيبها “توم” ، و ذلك التوم يبتسم ببلاهة محييا بهز رأسه دون أن ينطق بكلمة ..

     مديرة المؤسسة تسأل المشرفة الليلية المسؤولة عن روز ، لائمة : ” كيف حدث هذا الأمر المروع ؟ ألم تلاحظي انتفاخ بطنها ؟؟! ” تجيبها المشرفة : ” لم أسهُ عنها لحظة واحدة ، و لم يلفت نظري انتفاخ بطنها !…” تصمت قليلا ثم تكمل : ” لعل الأمر حدث خلال النهار ؟! و لكن روز تقارب الستين  كما تعلمين ؟!! أليس الأمر محيرا حقا !!! “

     تسأل المديرة  توم : ” هل تعلم أن روز حامل ؟ ” يهز رأسه علامة الموافقة ، ثم …تسأله : “كيف حدث ذلك ؟…” يوسع ابتسامته ثم يدمدم بعبارة من الصعب فهمها لغير المختص : ” قبلتها من فمها ..! ” تداري المديرة ضحكتها بصعوبة ، ثم …. تقرر تحويل روز إلى الطبيب .

    يضطر الطبيب – بعد يأسه من إقناعها  بضرورة هذه الجراحة – أن يصارحها بالحقيقة :  ” أنت لست حاملا يا روز .. ما في بطنك ورم خبيث…!”

=============

*مراكز المسنين و بيوت المسنين

=============

  *نزار بهاء الدين الزين

   سوري مغترب