أقصوصة*

نزار ب. الزين*

     كانت وضحة ذات الأحد عشر ربيعا ، تلعب من رفيقاتها في المرعى المجاور لخباء ذويها ، عندما أحست بالعطش فانسحبت إلى الخباء لتروي ظمأها .

في المساحة المخصصة للضيوف من الخيمة الكبيرة المصنوعة من شعر الماعز ،  أثار فضولها نقاش يجري  وراء الحاجز القماشي الذي يفصلها عن ركن الضيوف ، أخذ يتضح بعد أن اقتصر على والدها و شخص آخر ، فانصرفت للإصغاء إلى كل حرف :

الوالد : “اسمع يا شيخ العرب ، و هل يمكن لمثلي أن يرد لك طلبا ؟ ستكون طوع بنانك و خادمة بين يديك ، و لكن .. “

تريث قليلا ، ثم … أضاف :

 “و لكنني أستميحك عذرا يا شيخ ضرغام ، أريد سياقها* كاملا ، و وعدا أمام الله و الناس ، ألا تتدخل في شؤونها أي من زوجاتك الأخريات ، لا دخل لهن بها سوى بالمعروف ، و أن يكون لها خباؤها الخاص ، اعذرني يا شيخي ، إنها طفلة ، و الحق حق !… اقرأ المزيد

قصة

 نزار ب. الزين *

     تحيط بقرية الغدير أراضٍ استزرعها  سكانها من البدو المستقرين حديثا رغم صعوبة استصلاحها ، و لكن النبعتين الغربية و الشرقية ، كانتا  تشجعان السكان الجدد على الإستمرار ، رغم صعوبة المناخ و تدني الحرارة إلى ما دون الصفر معظم أيا الخريف و الشتاء .

عندما تهطل الأمطار  تفيض النبعتان  بالماء  و تظهر ينابيع أخرى  هنا و هناك ، فتغرق ما زرعه السكان و قد تخربه ، أما في الصيف فتكاد النبعتان – و خاصة الشرقية منهما  تجفان  – مما جعل الزراعة الصيفية مستحيلة !

دوما ، كان السكان يشكون من اضطراب مصدرهم المائي ، فيفيض عندما  لايكون له حاجة و ينضب عند الحاجة ، إلا أن إمتلاكهم لبعض الماشية ، كان يمنحهم بعض التعويض .… اقرأ المزيد

قصة قصيرة

نزار ب. الزين

 صبحة ، مليحة قرية الغدير ، تغنى بجمالها  الرعيان و حراثو الأرض و شبان القرية و القرى المجاورة ؛ بعيننيها الدعجاوين و بشرتها زهرية اللون ، و طولها الفارع ، جمالٌ صارخ لشخصية هادئة وديعة خجلى .

ما أن بلغت صبحة السادسة عشر حتى تقدم لطلب يدها ابن عمها شهاب ، و إذا تقدم ابن العم لخطبة ابنة عمه عند أهل الغدير و القرى المجاورة ، فإن الشبان الآخرين يبتعدون ، مهما بلغت بهم لواعج هواها.

شهاب في مطلع شبابه و لكنه فقير ، لا يملك  شيئا من (سياقها*) الغالي ، و هو ( أربعون رأس و مائة قرطاس *) كما جرى العرف عند أهل الغدير ، و لكنه أكد لزوجة عمه و هي المسؤولة الوحيدة عنها ، أنه سيسافر إلى دولة عربية مجاورة ، رئيس أركانها الأجنبي يحب أن يجند البدو ، و لا يقصر في إكرامهم ، و حالما يتجمع لديه مهر صبحة فسيعود ليصحبها إلى بيت الزوجية مرفوعة الرأس.… اقرأ المزيد

أقصوصة

نزار ب.الزين*

        كثرت شكاوى الرعيان في سهوب قرية الغدير ،  من تكرار سرقة أغنامهم مؤخرا .

يقوم اللص بتسميم كلاب  الحراسة ، ثم يسرق ما يحلو له .

تجمعوا ، تداولوا ، ثم  قرروا تكليف أكبرهم سنا بتقديم شكوى إلى قائد  مخفر قرية الغدير .

اهتم قائد المخفر بالشكوى ، فأخذ يرسل الدوريات الليلية و ينصب الكمائن  قريبا من خيام الرعيان .

و لكن اللص كان مراوغا ، يفلت كل مرة من شراك رجال الدرك* ، إلى أن وقع ذات فجر في شرك نصب له بإحكام ، فقبض عليه بالجرم المشهود .

بعد الضربة العاشرة على أسفل قدميه بخيزرانة رئيس المخفر ، صاح دياب الخزاعي مستغيثا :

–        ( دخيل عرضك ) سيدي ..… اقرأ المزيد

بعد سهرة طويلة في بيت رئيس مخفر  قرية الغدير ، ترك الأستاذ مروان المضافة في طريقه إلى سكنه في المدرسة ، و في يده  عصا ، يهش  بها  الكلاب  الضالة  إذا صادفته  ،  و بيده  الأخرى  ضوء  بطارية ( فلاش ) ، كان يضيئه  من حين لآخر  تجنبا للتعثر بالحجارة التي كانت تملأ الطريق .

كانت تلك هي المرة الأولى التي يتأخر فيها مروان حتى انتصاف الليل ، أما السماء فكانت صافية و الهواء عليلا ، إلا أن القمر كان في أواخر أيامه فلن يظهر قبل الفجر ، و لكن أضواء النجوم كانت كافية لتريه طريقه  بمعاونة ضوء البطارية ..

كان يصفر لحنا جميلا عندما لفت نظره ، حيوان  ما ، يتعقبه …

وجه  الضوء  نحوه  فلمعت  عيناه ، و لكنه  لم  يميزه ..… اقرأ المزيد

قصة

نزار ب. الزين

خيمتان عملاقتان نصبتا في ساحة قرية الغدير الرئيسية  ، توزع على وسائد الأولى المزركشة وجهاء القرية و ضيوفها من القرى المجاورة الذين بدؤوا منذ قليل بالتوافد .. و في صدر الخيمة جلس  العريس جاسم الهوري و قد زين هامته بكوفية من الحرير محاطة بعقال مقصب ، و ألقى فوق كتفيه عباءة أعارها له صديقه عبد العزيز الصوان  و هو من شيوخ العشيرة و انتعل حذاء لامعاً أعاره له معلم القرية الأستاذ مروان .

<< مذ كانت وضحه في العاشرة  كان جاسم يتابعها بعينيه بشغف  أينما صادفها ، و عندما أصبحت في الثانية عشر أضحى جاسم  يسبقها إلى الينبوع الغربي  منتظرا إطلالتها ، و لكن  حين بلغت  الرابعة عشر  ، لم يعد جاسم يقوى على كبت مشاعره ، فيقترب منها محييا ، تتغامز صديقاتها فيبتعدن ، و يبدأ جاسم ببث لواعج حبه ، أما هي فكانت – بداية –  تطرق رأسها خجلا ، و لكن رويدا رويدا بدأت تتجرأ  فتبثه – بدورها – لواعج هواها..>>… اقرأ المزيد

 قصة

نزار ب. الزين

  – أبتاه .. لن أتمكن من ترجمة حقيقة معاناتي ، ربما توضحها عبارة ” الإحساس بالضياع ” و ربما لا تفي بحقها عشرات التعبيرات و الصيغ و التساؤلات ؛ عقلي لم يعد يفهم ، أصبح عاجزا عن وضع الأحداث في إطار منطقي  يجعلها قابلة للفهم و الإدراك ، فإما العيب في عقلي : خلل ما .. مرض ما ، جنون ما ، أو أن العيب في الأحداث فجُنت و عربدت و انطلقت عشوائية متسارعة متمردة على أي إنضباط او سيطرة .

  قل لي بربك ، كيف يتحول حلفاء الأمس إلى أعداء اليوم ؟ و أبطال اليوم إلى ملعوني الغد ؟ كيف يتقاتل الجيران و يتناحر الخلان و يتنافر الأقارب ؟ كيف يتصارع من جمعتهم وحدة الأرض و الإنتماء و الفكر ذلك الصراع المرير حتى الموت ؟

قل لي ، كيف يهدرون الدماء بمثل هذه البساطة التي نشهد ؟ و يشتتون الأسر بما فيها الأطفال و النساء و الشيوخ ، بمثل هذا البرود الذي نلحظ ؟

قل لي ، كيف عميت أبصارهم عن شراسة أعدائهم و تيقظت لهنات رفاقهم و هفوات إخوانهم  ،

قل لي ، لمصلحة من سجنوا الرحمة و خنقوا الشهامة و سحقوا النخوة ؟

قل لي ، كيف سمحوا للسرطان أن ينمو في جسم أمتنا ، يغتصب المواقع ، و يسرق المياه ، و يخلق الفوضى و الإضطراب ؟

قل لي ، بِمَ تفسر هذا الإصرار على التخلف  ؟ و الإندفاع نحو الدمار و التشتت و الضياع ؟

يجيبه الوالد مبتسما :

– هدئ من روعك يا بني … و تعال أحكي لك حكاية تل الفرس  ؛ صحيح أن الناس اعتادوا تداول قصص الأبطال و حركة الأحداث و مفارقات الحياة  و غرائب الأمور ؛ أما أنا فسأحكي لك قصة تل الفرس !… اقرأ المزيد

أقصوصة

نزار ب. الزين

     عاد الأستاذ مروان – معلم قرية الغدير – إلى غرفته في مدرسة القرية  ، بعد أن تناول طعام العشاء  على مائدة المختار  ،

 أشعل السراج أولا ،

  ثم بدأ يغير ملابسه ،

 فما أن ارتدى بنطال منامته ، حتى أحس بلسعة قوية في  ساقه اليمنى ،

 ثم شعر بحركة حشرة داخل البنطال ، فضربها بيده ثم نزع البنطال على عجل ، و كم كانت مفاجأته مرعبة عندما شاهد أن غريمه كان عقربا .

ارتدى ملابسه على عجل و عاد مسرعا نحو القرية مستنجدا ،

نادوا له خميسة – حكيمة القرية –  على عجل !

 شقت له بسكينها مركز اللثغة من ساقه ،

ثم أخذت تمص من الدم النازف بفمها ، ثم تبصقه ،

ثم كررت العملية عدة مرات ؛

 و لكنها…

و على حين غرة عاجلتها  (حزقة*)  اضطرتها  أن تبتلع بعضا من الدم الممزوج بالسم ..… اقرأ المزيد

أقصوصة

نزار ب. الزين

    شكا أبو شاكر – بقال قرية الغدير – من آلام ضرسه …

آلام مبرحة تعصف بكل كيانه ، و خاصة منطقة الرأس

طيلة الليل ، كان يتجول في غرفته الصغيرة الملحقة بدكانه ، و يده فوق خده ، و لسانه لا يكف عن الأنين و الشكوى..

قرية الغدير حيث دكان أبو شاكر ، ليس فيها طبيب أسنان و لا حتى طبيب بيطري !

أما مركز المحافظة فليس فيه طبيب أسنان ، إنما فيها طبيب بشري واحد يمارس الطب بأنواعه بما في ذلك الجراحات البسيطة كاسئصال الزائدة الدودية أو اقتلاع اللوزتين ، و لكن ليس فيها من يقلع الأسنان أو الأضراس  ، إذاً لا بد من التوجه إلى عاصمة الدولة .… اقرأ المزيد

أقصوصة

نزار ب. الزين

زار طبيب الصحة المدرسية مدرسة قرية الغدير

و بعد أن فحص عيون الطلاب ،  أعطى الأستاذ مروان زجاجة تحتوي على دواء أزرق اللون و قطارة واحدة  ، ثم طلب منه أن يقطر لتلاميذه مرتين يوميا ، فأغلبهم مصاب بمرض (التراخوما)  ، و أضاف موضحا : ” أن التراخوما إذا لم تعالج كما يجب قد تفقد بصر المصاب بها ” .

جويدة فتاة في عمر الزهور ،

إلا أن عينيها كانتا تدمعان باستمرار ،

لجأت إلى خميسة حكيمة القرية ،

نصحتها خميسة أن تعرض عينيها لدخان الجلَّة* قائلة : << دخان الجلة* يجوهر النضر*>>

و بدأت جويدة – من ثم – تعرِّض عينيها لدخان الجلَّة كل يوم و أحيانا كل ساعة ، على أمل الشفاء .… اقرأ المزيد