قصة قصيرة

نزار ب. الزين

 صبحة ، مليحة قرية الغدير ، تغنى بجمالها  الرعيان و حراثو الأرض و شبان القرية و القرى المجاورة ؛ بعيننيها الدعجاوين و بشرتها زهرية اللون ، و طولها الفارع ، جمالٌ صارخ لشخصية هادئة وديعة خجلى .

ما أن بلغت صبحة السادسة عشر حتى تقدم لطلب يدها ابن عمها شهاب ، و إذا تقدم ابن العم لخطبة ابنة عمه عند أهل الغدير و القرى المجاورة ، فإن الشبان الآخرين يبتعدون ، مهما بلغت بهم لواعج هواها.

شهاب في مطلع شبابه و لكنه فقير ، لا يملك  شيئا من (سياقها*) الغالي ، و هو ( أربعون رأس و مائة قرطاس *) كما جرى العرف عند أهل الغدير ، و لكنه أكد لزوجة عمه و هي المسؤولة الوحيدة عنها ، أنه سيسافر إلى دولة عربية مجاورة ، رئيس أركانها الأجنبي يحب أن يجند البدو ، و لا يقصر في إكرامهم ، و حالما يتجمع لديه مهر صبحة فسيعود ليصحبها إلى بيت الزوجية مرفوعة الرأس.… اقرأ المزيد

أقصوصة

نزار ب.الزين*

        كثرت شكاوى الرعيان في سهوب قرية الغدير ،  من تكرار سرقة أغنامهم مؤخرا .

يقوم اللص بتسميم كلاب  الحراسة ، ثم يسرق ما يحلو له .

تجمعوا ، تداولوا ، ثم  قرروا تكليف أكبرهم سنا بتقديم شكوى إلى قائد  مخفر قرية الغدير .

اهتم قائد المخفر بالشكوى ، فأخذ يرسل الدوريات الليلية و ينصب الكمائن  قريبا من خيام الرعيان .

و لكن اللص كان مراوغا ، يفلت كل مرة من شراك رجال الدرك* ، إلى أن وقع ذات فجر في شرك نصب له بإحكام ، فقبض عليه بالجرم المشهود .

بعد الضربة العاشرة على أسفل قدميه بخيزرانة رئيس المخفر ، صاح دياب الخزاعي مستغيثا :

–        ( دخيل عرضك ) سيدي ..… اقرأ المزيد

بعد سهرة طويلة في بيت رئيس مخفر  قرية الغدير ، ترك الأستاذ مروان المضافة في طريقه إلى سكنه في المدرسة ، و في يده  عصا ، يهش  بها  الكلاب  الضالة  إذا صادفته  ،  و بيده  الأخرى  ضوء  بطارية ( فلاش ) ، كان يضيئه  من حين لآخر  تجنبا للتعثر بالحجارة التي كانت تملأ الطريق .

كانت تلك هي المرة الأولى التي يتأخر فيها مروان حتى انتصاف الليل ، أما السماء فكانت صافية و الهواء عليلا ، إلا أن القمر كان في أواخر أيامه فلن يظهر قبل الفجر ، و لكن أضواء النجوم كانت كافية لتريه طريقه  بمعاونة ضوء البطارية ..

كان يصفر لحنا جميلا عندما لفت نظره ، حيوان  ما ، يتعقبه …

وجه  الضوء  نحوه  فلمعت  عيناه ، و لكنه  لم  يميزه ..… اقرأ المزيد

قصة

نزار ب. الزين

خيمتان عملاقتان نصبتا في ساحة قرية الغدير الرئيسية  ، توزع على وسائد الأولى المزركشة وجهاء القرية و ضيوفها من القرى المجاورة الذين بدؤوا منذ قليل بالتوافد .. و في صدر الخيمة جلس  العريس جاسم الهوري و قد زين هامته بكوفية من الحرير محاطة بعقال مقصب ، و ألقى فوق كتفيه عباءة أعارها له صديقه عبد العزيز الصوان  و هو من شيوخ العشيرة و انتعل حذاء لامعاً أعاره له معلم القرية الأستاذ مروان .

<< مذ كانت وضحه في العاشرة  كان جاسم يتابعها بعينيه بشغف  أينما صادفها ، و عندما أصبحت في الثانية عشر أضحى جاسم  يسبقها إلى الينبوع الغربي  منتظرا إطلالتها ، و لكن  حين بلغت  الرابعة عشر  ، لم يعد جاسم يقوى على كبت مشاعره ، فيقترب منها محييا ، تتغامز صديقاتها فيبتعدن ، و يبدأ جاسم ببث لواعج حبه ، أما هي فكانت – بداية –  تطرق رأسها خجلا ، و لكن رويدا رويدا بدأت تتجرأ  فتبثه – بدورها – لواعج هواها..>>… اقرأ المزيد

 قصة

نزار ب. الزين

  – أبتاه .. لن أتمكن من ترجمة حقيقة معاناتي ، ربما توضحها عبارة ” الإحساس بالضياع ” و ربما لا تفي بحقها عشرات التعبيرات و الصيغ و التساؤلات ؛ عقلي لم يعد يفهم ، أصبح عاجزا عن وضع الأحداث في إطار منطقي  يجعلها قابلة للفهم و الإدراك ، فإما العيب في عقلي : خلل ما .. مرض ما ، جنون ما ، أو أن العيب في الأحداث فجُنت و عربدت و انطلقت عشوائية متسارعة متمردة على أي إنضباط او سيطرة .

  قل لي بربك ، كيف يتحول حلفاء الأمس إلى أعداء اليوم ؟ و أبطال اليوم إلى ملعوني الغد ؟ كيف يتقاتل الجيران و يتناحر الخلان و يتنافر الأقارب ؟ كيف يتصارع من جمعتهم وحدة الأرض و الإنتماء و الفكر ذلك الصراع المرير حتى الموت ؟

قل لي ، كيف يهدرون الدماء بمثل هذه البساطة التي نشهد ؟ و يشتتون الأسر بما فيها الأطفال و النساء و الشيوخ ، بمثل هذا البرود الذي نلحظ ؟

قل لي ، كيف عميت أبصارهم عن شراسة أعدائهم و تيقظت لهنات رفاقهم و هفوات إخوانهم  ،

قل لي ، لمصلحة من سجنوا الرحمة و خنقوا الشهامة و سحقوا النخوة ؟

قل لي ، كيف سمحوا للسرطان أن ينمو في جسم أمتنا ، يغتصب المواقع ، و يسرق المياه ، و يخلق الفوضى و الإضطراب ؟

قل لي ، بِمَ تفسر هذا الإصرار على التخلف  ؟ و الإندفاع نحو الدمار و التشتت و الضياع ؟

يجيبه الوالد مبتسما :

– هدئ من روعك يا بني … و تعال أحكي لك حكاية تل الفرس  ؛ صحيح أن الناس اعتادوا تداول قصص الأبطال و حركة الأحداث و مفارقات الحياة  و غرائب الأمور ؛ أما أنا فسأحكي لك قصة تل الفرس !… اقرأ المزيد

أقصوصة

نزار ب. الزين

     عاد الأستاذ مروان – معلم قرية الغدير – إلى غرفته في مدرسة القرية  ، بعد أن تناول طعام العشاء  على مائدة المختار  ،

 أشعل السراج أولا ،

  ثم بدأ يغير ملابسه ،

 فما أن ارتدى بنطال منامته ، حتى أحس بلسعة قوية في  ساقه اليمنى ،

 ثم شعر بحركة حشرة داخل البنطال ، فضربها بيده ثم نزع البنطال على عجل ، و كم كانت مفاجأته مرعبة عندما شاهد أن غريمه كان عقربا .

ارتدى ملابسه على عجل و عاد مسرعا نحو القرية مستنجدا ،

نادوا له خميسة – حكيمة القرية –  على عجل !

 شقت له بسكينها مركز اللثغة من ساقه ،

ثم أخذت تمص من الدم النازف بفمها ، ثم تبصقه ،

ثم كررت العملية عدة مرات ؛

 و لكنها…

و على حين غرة عاجلتها  (حزقة*)  اضطرتها  أن تبتلع بعضا من الدم الممزوج بالسم ..… اقرأ المزيد

أقصوصة

نزار ب. الزين

    شكا أبو شاكر – بقال قرية الغدير – من آلام ضرسه …

آلام مبرحة تعصف بكل كيانه ، و خاصة منطقة الرأس

طيلة الليل ، كان يتجول في غرفته الصغيرة الملحقة بدكانه ، و يده فوق خده ، و لسانه لا يكف عن الأنين و الشكوى..

قرية الغدير حيث دكان أبو شاكر ، ليس فيها طبيب أسنان و لا حتى طبيب بيطري !

أما مركز المحافظة فليس فيه طبيب أسنان ، إنما فيها طبيب بشري واحد يمارس الطب بأنواعه بما في ذلك الجراحات البسيطة كاسئصال الزائدة الدودية أو اقتلاع اللوزتين ، و لكن ليس فيها من يقلع الأسنان أو الأضراس  ، إذاً لا بد من التوجه إلى عاصمة الدولة .… اقرأ المزيد

أقصوصة

نزار ب. الزين

زار طبيب الصحة المدرسية مدرسة قرية الغدير

و بعد أن فحص عيون الطلاب ،  أعطى الأستاذ مروان زجاجة تحتوي على دواء أزرق اللون و قطارة واحدة  ، ثم طلب منه أن يقطر لتلاميذه مرتين يوميا ، فأغلبهم مصاب بمرض (التراخوما)  ، و أضاف موضحا : ” أن التراخوما إذا لم تعالج كما يجب قد تفقد بصر المصاب بها ” .

جويدة فتاة في عمر الزهور ،

إلا أن عينيها كانتا تدمعان باستمرار ،

لجأت إلى خميسة حكيمة القرية ،

نصحتها خميسة أن تعرض عينيها لدخان الجلَّة* قائلة : << دخان الجلة* يجوهر النضر*>>

و بدأت جويدة – من ثم – تعرِّض عينيها لدخان الجلَّة كل يوم و أحيانا كل ساعة ، على أمل الشفاء .… اقرأ المزيد

أقصوصة 

نزار ب. الزين*

   في قرية الغدير شكا  زامل الهوري من آلام مبرحة في بطنه

كان يصرخ من شدة الألم ..فيبلغ صوته عنان السماء…

احتار أهله فيما يفعلونه لنجدته ؟!

فأقرب طبيب يبعد ثلاثين كيلومترا ، و لات من مواصلات ، اللهم غير حافلة الباص التي تمر من القرية مرة كل يوم ..

تجمع الكثيرون حول الشاب و قد أسقط في أيديهم و الألم يعتصر أفئدتهم ..

ثم…

أحضروا له العجوز خميسة ، حكيمة القرية العمشاء…

التي طلبت في الحال أن يوقدوا نارا ..

ثم…

سخنت على النار  قضيبا من الحديد حتى  إحمر و توهج ..

ثم …

كشفت عن بطنه ..… اقرأ المزيد

رواية قصيرة

نزار ب. الزين

الغدير هو اسم القرية في أقصى الجنوب الغربي من سورية يقطنها فرع من عشيرة الصوان منحت لهم أرضها من قبل حكومة الانتداب الفرنسي ضمن برنامج لتوطين البدو الرحل ، و بنيت بيوتها فوق خرائب بلدة رومانية أو بيزنطية أصابها زلزال فدمرها و هجّر من بقي حيا من سكانها ان بقي أحياء ! فبيوت البلدة بجدرانها وأسقفها و أبوابها و نوافذها قدت كلها من الحجر الأسود ، فالكارثة على ما يبدو كانت مأسوية.  المحظوظ من المستوطنين الجدد من كان نصيبه فيها غرفة أو اثنتين سليمتين  ، فانه سيرمم بقية المنزل ليعود كما تركه أصحابه ، أما الآخرون فقد استخدموا أحجار الخرائب لبناء بيوتهم كيفما اتفق .… اقرأ المزيد